القديس مار مارون، الذي نحتفل طوال الاسبوع الثاني من شباط ، هو أوّل من غرس حديقة النسك في المنطقة، عبر مغامرة روحيّة رياديّة أطلقها القدّيس أنطونيوس وجسّدها القدّيس مارون وكان مؤدّها.
القديس مارون أو مار مارون كما هو شائع، (بالسريانية: ܡܪܝ ܡܪܘܢ) ناسك وراهب وكاهن عاش في شمال سوريا خلال القرن الرابع، يعتبر واحدًا من أشهر الشخصيات السوريّة السريانية الكنسية، لكونه يرتبط مع الكنيسة السريانية الأنطاكية المارونية التي تعتبره مؤسسًا وشفيعًا وأبًا، ولذلك يقول المطران يوسف الدبس، رئيس أساقفة بيروت المارونية أواخر القرن التاسع عشر في كتابه “الجامع المفصل في تاريخ الموارنة المؤصل:” إن تاريخ الموارنة يبدأ بمناقشة مار مارون الذي يعتبر مؤسس هذه الطائفة وشفيعها.
كلمة مارون في اللغة السريانية تصغير للفظة "مار" والتي تعني السيّد، والتي بدورها تصغير عن لفظة "موران" والتي تعني "سيد السادة أو السيد الأكبر" وتستخدم في اللغة السريانية كإحدى ألقاب الله. لا يوجد اليوم سيرة مفصلة أو سجل دقيق عن حياته ونشاطاته. وتعتبر شهادة أسقف المنطقة التي تنسك بها مار مارون ثيودوريطس المرجع الأساسي الوحيد عنه؛ أغلب الباحثين الموارنة والغير الموارنة يجعلون مارون رئيسًا للرهبان والنساك في منطقة سوريا الشمالية، وذلك استنادًا إلى ثيودوريطس ذاته حين يقول: إن أكثر النساك في منطقة قورش ساروا على طريق مارون الناسك ملتزمين به.هناك أيضًا من يشير إلى أن مار مارون كان المسؤول الأول عن نشر المسيحية في شمال سوريا، فمن المعروف أن الوثنية كانت قوية الجذور تلك النواحي بداية القرن الخامس في حين أن ثيودوريطس نفسه يذكر في رسالة بعث بها إلى البابا ليون الكبير (440 -461) أنه يتولى شؤون ثمانمائة كنيسة، أي أن أغلب سكان المنطقة قد اعتنقوا المسيحية.
رغم عدم وفرة المراجع القديمة التي تذكره، فإنّ مختلف الدراسات والأبحاث التي وضعت حول مار مارون وحول الكنيسة المارونية عمومًا، خصوصًا إثر تأسيس المدرسة المارونية في روما أواخر القرن السادس عشر إلى جانب عمليات التنقيب والبحث شمال حلب أواخر القرن العشرين، أدت إلى رسم صورة تفصيلية عن حياة القديس مارون ونشاطه.
رسالة يوحنا الذهبي الفم : كان أول ذكر تاريخي للقديس مارون الذي ورد في رسالة بعث بها بطريرك القسطنطينية يوحنا الذهبي الفم من منفاه في القوقاز حولي سنة 404 أو 405، إلى مارون "الكاهن والناسك"، وتظهر الرسالة تحت العدد السادس والثلاثون من رسائل يوحنا الذهبي الفم والمنشورة في مجموعة "الآباء اليونان" للمؤرخ مين.
تدل الرسالة أن البطريرك كان يعرف الناسك معرفة شخصية، وهو ما دفع المؤرخ البطريرك الدويهي للقول بأن الذهبي الفم ومارون كانا صديقي دراسة في أنطاكية قبل أن يتبنى كل منهما نمط الحياة النسكية. يعبر الذهبي الفم في الرسالة عن مشاعره الودية نحو القديس مارون ويقدر تقواه الشديدة، ويعلن رغبته في المراسلة على نحو متكرر، وهو ما كانت تحول دون تحققه صعوبة العثور على مسافرين من القوقاز تجاه ضواحي حلب، ويستفهم الذهبي الفم بحرارة عن صحة مارون ويختتم طالبًا دعاءه والصلاة لأجله.
إن الرسالة مدار البحث، يغلب عليها الطابع الشخصي ولا تحمل الكثير من المعلومات، ما دفع بعض البحاثة والمؤرخين لنفي صحيتها كدليل،لا سيّما أنها موجهة إلى ناسك يدعى مارون دون أي إشارة تجزم أنه مارون الذي أشار إليه ثيودوريطس، بيد أن قسمًا آخر من الباحثين يدعمهم الرأي الكنسي التقليدي، استبعدوا وجود مارونين عاشا في الفترة نفسها وفي المنطقة نفسها، ولم ينل التأريخ سوى واحد منهما، خصوصًا في كتاب “تاريخ أصفياء الله” لثيودوريطس ذاته الذي أرخ حياة القديس مارون، وهو ما دفع للقول بأن مارون ثيودوريطس ومارون الذهبي الفم هما الشخص نفسه. استدل النقاد المشككون بأن أسقف قورش ثيودوريطس لم يصرّح بأن الناسك مارون كان كاهنًا على عكس الذهبي الفم الذي وصفه بالكاهن والناسك، إلا أنّ ثيودوريطس في الوقت ذاته استخدم مصطلحات ضمن حديثه عن مارون لا تستخدم في اللغة الكنسيّة والإكليريكيّة إلا للكهنة وحدهم "كتكريس" معبد أو "مباركة" المرضى، فكهنوت القديس مارون واضح ضمنًا في أقوال ثيودوريطس وإن لم يذكره صراحة، حسب القسم الأكبر من الباحثين وحسب الرأي الكنسي التقليدي أيضًا.
شهادة الأسقف ثيودوريطس :آثار وثنية في كالوتا مكان تنسك مار مارون: حسب شهادة ثيودوريطس مؤرخ حياة مار مارون، فإن الوثنية تراجعت في شمال سوريا من خلال نشاط مار مارون وجهوده.
ولد ثيودوريطس عام 393 لعائلة مسيحية عرفت بتقواها وتدينها، ونال علومه اللاهوتيّة في مدرسة ثيودور المصيصي أسقف المصيصة، وكان معارضًا شديدًا لصيغة القديس كيرلس الإسكندري في الإيمان حول طبيعتي المسيح (انظر مجمع أفسس الثاني ومجمع خلقيدونية) وساهم في إدانتها في مجمع خلقيدونية عام 451، وقد سيّم أسقفًا على منطقة قوروش عام 423 بعد وفاة مارون، ورغم عدم اتصاله المباشر به إلا أنه إتصل بعدد من تلاميذه على رأسهم يعقوب الذي يعتقد عدد من الباحثين أمثال أفرام البستاني أنه ساهم في إعطاء معلومات عن مارون لثيودوريطس، فأدرجها في كتابه “تاريخ أصفياء الله” الذي روى به أيضًا سيرة أكثر من ثلاثين راهبًا في القورشيّة من معاصريه على رأسهم "مارون الإلهي" كما يسميه.
تعتبر شهادة الأسقف هي المصدر الوحيد الذي يُستند إليه لمعرفة طبيعة حياة مار مارون، رغم أن هذه السيرة تبتعد عن منحى التوثيق التاريخي وتأخذ طابع الكتابات الدينية، فهي لا تذكر مثلاً مكان تنسك القديس أو مكان دفنه، إلا أنها تذكر المنازعات بين سكان القرى والبلدات المجاورة لحيازة جثمانه تصف الشهادة القديس مارون بعدد من الصفات الهامة:
لقد زيّن مارون طغمة القديسين المتوحشين بالله، ومارس ضروبًا من التقشفات والإماتات، تحت جو السماء، متعبدًا ومتجهدًا في الأصوام والصلوات والليالي الساهرة والركوع والسجود، والتأمل في كمال الله.
إلا أنه لم يكن منقطعًا عن المجتمع طوال فترات حياته، إذ عندما انتشر صيته توافد إليه الناس من مختلف المناطق المجاورة، فكان يعظ الزوّار ويرشدهم ويعزي المصابين والحزانى، حتى أشيع أن الشياطين نفسها قد تحاشت حضرته. ويتابع الأسقف:
وبما أن الله غني كثير الإحسان إلى قديسيه، فقد منحه موهبة الشفاء، فذاع صيته في الآفاق كلها، وتقاطر إليه الناس أفواجًا من كل جانب، وكان جميعهم قد علموا بالاختبار أن ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب صحيح، وبالحقيقة كانت الحمّى قد خمدت من ندى بركته، والمرضى برئوا بدواء واحد، وهو صلاة القديس، لأن الأطباء جعلوا لكل داء دواء، غير أن صلاة الأولياء هي دواء نافع لجميع الأمراض. غير أن القديس مارون لم يقتصر على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرئ أيضًا أمراض الروح، فكان يشفي من الغضب والكذب واستباحة المحرمات وغيرها من المنكرات.
ويختتم ثيودوريطس القول أن تلامذة عديدين من الرجال والنساء قد وفدوا إلى الجبل المنسك ليتتلمذوا على يديه، ويعلن أن مارون: قد أنمى بالتهذيب جملة من الفضائل السماوية، وغرس هذا البستان (يقصد الحياة الرهبانية) لله، فأزهر في كل نواحي القورشيّة. وفي موضع آخر يقول إن أكثر النساك في منطقة قورش ساروا على طريقة مارون الناسك متتلمذين له. ونتيجة لهذه الجهود تراجعت الوثنية في شمال سوريا، واغتبط ثيودوريطس لذلك، كما يظهر في رسالته إلى البابا ليون الأول مخبرًا إياه أنه يتولى شؤون ثمانمائة كنيسة.
إثر هذه الحياة الحافلة توفي مار مارون عام 410، موصيًا أن يدفن في مغارة القديس زابينا أحد تلاميذه، لكن وصيته هذه لم تتحق إذ نشبت بحسب شهادة ثيودوريطس، منازعات حول جثمانه بين القرى المجاورة، بهدف الحصول عليه ودفنه في قريتهم تبركًا، ويعلن الأسقف أن سكان قرية كبيرة كثيرة العدد، متاخمة لمكان التنسك، حازت على الجثمان، ويعزي نفسه بالقول: "ومع أننا بعيدون عن القديس فإن بركته تشملنا، وذكره يقوم لدينا مقام ذخائره" أما أهل القرية الفائزة فقد شيدوا مزارًا خاصًا إكرامًا له، وأقاموا عيدًا سنويًا لاستذكاره ما يدل على مكانة مرموقة في القورشية وجاورها، ويذكر ثيودوريطس أن الناس استمروا خلال أسقفيته في قورش بالاحتفال بذكرى مارون.
شهادات أخرى :يقدم المؤرخ والمستشرق الفرنسي فيستوجير في كتابه "أنطاكية الوثنية والمسيحية"، شهادة أخرى عن القديس مارون:
إن مارون، كان أول من مارس العيش في العراء في سوريا، معرضًا نفسه لقسوة عوامل الطبيعة. إن الزهاد في مقاطعة قورش ضمن سوريا الشمالية قد تبنوا هذا النمط من العيش، الذي أنشأه مارون، وخاصة الرهبان العموديين الذين اختاروا العيش على رؤوس الأعمدة وأشهرهم سمعان العمودي المتوفى سنة 459.
إن ربط فيستوجير للقديس سمعان العمودي بالقديس مارون يعتبر شهادة هامة، إذ إن المدرسة العمودية في النسك وهي السوريّة المنشأ، قد انتشرت بشكل سريع لتعمّ أنحاء العالم المسيحي برمته حتى وصلت إلى أوروبا؛ ويعتبر سمعان العمودي اليوم من أبرز قديسي الكنيسة بمختلف طوائفها، وجدير بالذكر أن العمود الذي كان يستوطنه الرهبان، يشبه في بناءه إلى حد بعيد مآذن المساجد اليوم، وغالبًا ما كان الراهب العمودي يعظ من أعلى مئذنته، التي كانت تساعده على إيصال صوته إلى المناطق المجاورة. وقد أسس بُعيد وفاة سمعان العمودي دير كبير على اسمه في الجبل المعروف اليوم باسم جبل سمعان، غير أن الدير حتى اليوم لم يحسم موقفه من الجدال حول طبيعتي المسيح، إذ إن السريان المونوفيزيين والسريان الخليقدونيين قدموا وثائق تثبت أن الدير كان تابعًا لهما.
الشهادة الثانية الهامة عن القديس مارون، تعود للقرن الثامن عشر، وهي شهادة البابا بيندكتوس الرابع عشر عام 1774، إثر الشقاق الذي وقع بين الموارنة والروم الملكيين الكاثوليك في حلب حول قداسة مار مارون. خلط بطريرك الروم الملكيين بين مارون الناسك ومارون آخر يذكره ابن بطريق وعدد آخر من المؤرخين القدماء خلال القرن السابع وكان راهبًا نسطوريًا مونوثيليًا تبعه عدد من أهل حماه، فقام بطريرك الملكيين بتمزيق أيقونة تظهر القديس مارون ناسبًا له الهرطقة، فوجه إليه البابا رسالة أبرز ما جاء فيها:
ولهذا فإن جهود أخينا البطريرك المحترم كيرلس طنّاس (بطريرك الملكيين) تبدو عملاً ظاهر التجديف، وقد اتضحت إيضاحًا جليًا مساعي أخينا المحترم كيرلس عديمة الديانة، إذ إنه بحجة منع عبادة مارون الهرطوقي الذي ذكره سعيد بن بطريق، قد نزع في الحقيقة العبادة الواجبة لمارون القديس العظيم الكاثوليكي الإيمان، الذي ذكره ثيودوريطس، إضافة إلى ذلك فإن الكرسي الرسولي قصد دائمًا في بياناته الاعتراف بتكريم الأنبا مارون السعيد والمغبوط، والذي كتب عنه تيودوريطس، وأمر أن يكرمه الآخرون.
ثم منح البابا غفرانًا كاملاً وفق معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، لكل من يمارس سر الاعتراف وسر الإفخارستيا يوم 9 شباط من كل عام احتفالاً بذكرى شفيعهم الشخصي، معتمدًا بذلك خطا سلفه البابا كليمنت الثاني عشر.
تلاميذ مار مارون الأوائل :بعد أن ختم ثيودوريطس حديثه عن مار مارون، انتقل للحديث عن حياة تلاميذه الأوائل من الرهبان المنتشرين في أنجاء القورشية، ومنهم يعقوب الذي جمعته صداقة شخصية مع ثيودوريطس، لذلك نرى سيرته تفوق سائر السِيَر توسعًا وتفصيلاً.
قضى يعقوب ثمانٍ وثلاثين سنة في المنسك، وفسّر كما فسّر غيره من رهبان القرون الأولى، بعض آيات العهد الجديد مثل: "بعض الناس قد خصوا أنفسهم في سبيل ملكوت السماوات، فمن استطاع أن يقبل هذا فليقبله"[متى 12/19]، أو من رسائل القديس بولس: "إني أفرح في الآلام التي أقاسيها لأجلكم، وأتمم في جسدي ما نقص من آلام المسيح".[كولوسي 24/1] تفسيرًا حرفيًا، فنرى يعقوب الكبير الذي اجترح الكثير من العجائب والكرامات قد أثقل ذاته في الحديد ولم يكن يقتات سوى العدس المبلول. أما إبراهيم القورشي، فقد انتقل إلى لبنان مبشرًا، حيث أقام في أعالي منابع نهر أدونيس، حتى أطلق على النهر اسم نهر إبراهيم، وهناك أيضًا ليمناوس الذي حبس نفسه بكوخ صغير مداومًا على الصلاة. وأغابيتس الذي انتقل إلى منطقة أفاميا، حيث شيّد ديرين هناك. والراهب بردات الذي وقّع على أعمال المجمع الخليقدوني.
ولم يكن تلاميذ مار مارون الأوائل، من الرجال فقط، بل شملت القائمة نساءً، فنرى كيرا ومورانا الشريفتان من حلب وهناك أيضًا دومنينا،وغيرهم.
لقد ظل تلاميذ مار مارون منتشرين في أنحاء القورشيّة الواسعة وخارجها، حتى قام الامبرطور مرقيان وبجهود ثيودوريطس، بتشييد دير عظيم البنيان في أفاميا، وهو الدير الذي سمي على اسم مارون وغدا كبير الأديرة في سوريا الجنوبية. وقد قدّم الأب بطرس ضو شهادة هامة عنه:
قبل الانقسام، كان الجزء الخليقدوني من كنيسة أنطاكية، وخاصة الجزء الذي كانت لغته هي السريانية، تحت قيادة دير مارون، وبالتالي فقد اقتدت الأديرة والكنائس الخليقدونية التي كانت لغتها السريانية أيضًا بدير مارون، في دفاعها عن الصيغة الخليقدونية في الإيمان.
مكان تنسك مار مارون :تعددت الأماكن المقترحة لتنسك مار مارون وتوسعت رقعتها الجغرافية، فهي تبدأ من منطقة الهرمل في شمالي لبنان، وتتجه شمالاً نحو أفاميا ثم جبل سمعان جنوبي غربي حلب، أو كما عبّر البطريرك الدويهي "في القورشيّة" دون أن يحدد مكانًا خاصًا لها. وقد ساهم في تعقيد الموضوع الخلط الذي حدث لدى البعض المؤرخين في الشأن الماروني بين ضريح القديس مارون الذي تحوّل إلى مزار ومركز حج في المنطقة، ودير القديس مارون. فمثلاً، يعتقد المطران الدبس أن الضريح قد تحوّل إلى دير. حسم الجدل مؤخرًا بعد جهود وزارة السياحة السوريّة، وبالتعاون مع أبرشية حلب المارونيّة، إضافة إلى بعثتي تنقيب من الولايات المتحدة الإمريكية منذ 1999، بشأن مكان التنسك ومكان الضريح، بتحديد مكان التنسك في كالوتا والضريح في براد، وهو ما قامت البطريركية المارونية بتثبيته رسميًا عام 2010.
كان الأب بطرس ضو هو أول من أشار إلى براد عام 1970، إلا أن تعذر المواصلات وصعوبة الطريق في تلك المنطقة حال دون بدء التنقيب مباشرة، تجددت الدعوات خلال عام 1990 ثم أخذت تلقى تجاوبًا بمنحى إطرادي، حتى تم افتتاح الطريق السريع للمواصلات بين حلب وبراد عام2003 بناءً على طلب أبرشية حلب المارونية. تذكر وثيقة البطريركية المارونية أن المشروع قد نال دعمًا خاصًا من قبل رئاسة الجمهوريّة في سوريا، ومن ثم شكلت لجنة بين وزارة السياحة السورية وأبرشية حلب المارونية للبحث والتنقيب، أصدرت اللجنة كتيبًا يحدد طرق العمل وأساليبه ومناطق التنقيب المقترحة، فضلاً عن دراسة مفصلة حول براد.
وقد ذكر ثيودوريطس إنّه "بعد وفاة مار مارون قامت معركة عنيفة بين السكّان المجاورين للاستيلاء على جثمانه، وكانت الغلبة لبلدة متاخمة مكتظّة بالسكّان." وهو ما ينطبق فعليًا على براد التي كانت مركزًا إداريًا في سوريا الشماليّة، ويقع على بعد 3 كم جنوبها مرتفع جبلي عرف باسم "قلعة كالوتا"، يحوي آثارًا مسيحية ووثنية عديدة. فضلاً عن ذلك، فإن الآثار المكتشفة في براد تتفق مع الطرق التي كان المسيحيون في سوريا الشماليّة يكرمون بها قديسيهم، وسوى ذلك أيضًا فإن كنيسة براد، وهي ثاني أكبر كنيسة في الشمال السوري برمته بعد كنيسة القديس سمعان العمودي في حلب وقد بنيت حوالي عام 402، وألحق بها مدفن خاص وكنيسة صغيرة للمدفن بني حوالي عام410، وهو العام الذي توفي به مار مارون. وما يزيد الأمر حسمًا أن مار مارون هو القديس الوحيد الذي توفي في القورشيّة خلال تلك الفترة، ولقد بنيت بجانب الكنيسة، كنيسة ثالثة أصغر حجمًا عام 561، وهو ما يدل على استمرار النشاط في المنطقة، إلا أنه ورغم هذه الأدلة لم يجد المنقبون بعد كتابة أو نقش واضح يشير إلى هوية الكنيسة أو هوية الضريح المقام، فتتصف الأدلة المقدمة بكونها أدلة توافقية وليست قطعية، ما حدا بالبعض إلى انتقاد المشروع. بيد أن عمليات التنقيب لم تتوقف ولا تزال مستمرة حتى اليوم، ما يعطي الأمل بمزيد من المكتشفات في المستقبل.
ذخائر مار مارون :ينقل التقليد الماروني دون الاستناد إلى مرجع أو وثيقة، أن ذخائر مار مارون قد تم نقلها من براد إلى دير مار مارون المشيّد في أفاميا، ويذكر البطريرك الدويهي استنادًا إلى وثائق ومخطوطات مكتبة الصرح البطريركي الماروني في بكركي، وأن مار يوحنا مارون لدى انتقاله إلى لبنان، أخذ هامة القديس مارون معه وشيّد لها هناك ديرًا وكنيسة، أسماهما ريش موارن أي رأس مارون بسبب وضع هامته هناك، وينعت الدويهي الهامة بأنها "مانحة للشفاء".
خلال الحقبة الصليبية نقل أحد الرهبان البندكتيين هامة القديس من البترون إلى إيطاليا عام 1130، فأودعت في مدينة فولينيو الإيطاليّة، حيث بنيت على اسم القديس مارون هناك كنيسة، ثم أعيد نقل الهامة من الكنيسة إلى مركز أسقفية المدينة عام 1194، وقام المسؤولون هناك بإيداعها تمثالاً صغيرًا من الفضة يمثل صورة وجه القديس، ويقول المطران يوسف الدبس، أنه خلال مروره بالمدينة عام 1887، قدّم له أسقفها ذخيرة من الهامة.
بناءً على طلب من البطريركيّة المارونيّة، أعيد نقل الهامة من إيطاليا إلى لبنان العام 1999، حيث أودعت في دير ريش موارن، من جديد.
تذكار مار مارون :عيد مار مارون :بشكل عام، اعتادت الكنيسة أن تقيم تذكار قديسيها يوم وفاتهم، أو وفق المعنى الكنسي، يوم ولادتهم في السماء، إلا إذا تضاربت ذكرى وفاة هؤلاء مع أعياد كنسيّة هامة، فتقيم ذكراهم في يوم تلقيهم رسامتهم الكهنوتيّة أو الرهبانية، لذلك فإن العيد الأول للقديس مارون، وهو في 14 فبراير، والذي لا يزال معتمدًا حتى اليوم في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس التي تبجله، قد يكون يوم وفاته أو يوم رسامته الكهنوتيّة، ومن المحتمل أن يكون الموارنة حتى القرن السابع قد اتخذوا من 14 فبراير عيدً وذكرى للقديس مارون.
يذكر المطران يوسف الدبس، أن مار يوحنا مارون، عندما انتقل إلى لبنان في الهزيع الأخير للقرن السابع، نقل معه هامة القديس مارون، ووصل إلى البترون في 5 يناير فشرع الموارنة بالاحتفال بعيد القديس مارون في ذلك اليوم. حسب التقليد الماروني أيضًا، فإنه عند وفاة مار يوحنا مارون شرع الموارنة بالاحتفال بذكراه في 9 فبراير، وهو تاريخ تدشين الكنيسة والدير الذي شيده في كفر حي لدى وصوله إليها، ومن ثم دمجت الكنيسة بين عيدي القديسين في يوم واحد هو 9 فبراير، كما يظهر في الكتب الليتورجية المارونية. لاحقًا في القرن الثامن عشر نقلت البطريركية المارونية عيد مار يوحنا مارون إلى 2 مارس، وهو ما اعتبر بحسب التقليد الماروني تاريخ وفاته، وإبقاء تاريخ 9 فبراير لتذكار مار مارون وحده، وهو ما لا يزال متبعًا حتى اليوم.
إكرامه : يكرم القديس مارون في الليتورجيا المارونية من خلال ذكره اليومي في القداس الإلهي، إلى جانب تخصيص ثمانية أيام قبل عيده أي ابتداءً من 1 فبراير وحتى يوم عيده 9 فبراير، تتوالى بها الصلوات المخصصة لإكرامه واستذكار أفضاله. كذلك فإن عيده يوم 9 فبراير يعتبر بطالة كنسية أي من الأعياد التي يجب على أبناء الكنيسة المارونية حول العالم حضور الصلوات المقامة فيها، كذلك تعتبر المناسبة عطلة رسمية في لبنان. يخصص أيضًا الأحد الثاني من كل شهر تذكارًا عامًا لمار مارون، وسوى ذلك فإن الكثير من الكنائس حول العالم مشيّدة على اسمه، ويتسمى عدد كبير من الأشخاص باسم مارون تيمنًا.