"حمص" بالنسبة له جزء لا يتجزأ من تكوينه الاجتماعي والنفسي والوجداني الذي شكل هويته وأسس مقومات شخصيته، الحارات القديمة بشوارعها الضيقة وبيوتها الجميلة وطيبة ناسها.
البروفيسور الحمصي "بسام عويل" مواليد /1962/ المقيم في "بولندا" والذي يدرّس بجامعتها منذ أكثر من (18) عاماً، وهو عالم النفس والباحث السيكولوجي الوحيد من أبناء الجالية السورية في "بولندا" الذي ارتقى في مركزه العلمي حتى وصل لدرجة "بروفيسور". غادر الوطن عام /1992/ بعد أن ضاقت فيه السبل ليستثمر إمكاناته العلمية والمهنية فيه بسبب التضييق عليه، حيث ترك ذكرياته التي تحدث بها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23/11/2008 والمحدثة بتاريخ 9/9/2012 بالقول: «كانت حارتنا – الحميدية في قلب حمص نسيجا اجتماعيا وروحيا واقتصاديا فريدا في تكوينه الذي مزج الأديان والمذاهب والطوائف المتنوعة، وهو نسيج طبع أهلها بخصوصيته وجعل من أبنائها عائلة واحدة تتشارك في الأفراح والأتراح والأعياد والمناسبات، حتى الآن عندما كانت الظروف تسمح لي بزيارتها.. أمر بها أكاد أستنشق روائح عبقها الفريد عند كل منعطف لتمتزج رائحة الخبز الطازج من فرن رضا (أبو أحمد) مع رائحة الحمص والمخلل والحلويات والخضرة والفواكه من الدكاكين والمحلات، وكذلك أصوات الباعة المتجولين».
الكشافة كونته وطنياً واجتماعياً :
"الكشافة" وهي تنظيم اجتماعي وحركة تربوية تطوعية غير سياسية تقوم بالمساهمة في تربية وتنمية الشباب لتحقيق أقصى درجات الارتقاء بقدراتهم الروحية والعقلية والاجتماعية والبدنية والوطنية كأفراد ومواطنين صالحين ومسؤولين في مجتمعاتهم المحلية استطاعت استقطاب شرائح عمرية كبيرة ومتنوعة من شبان حي "الحميدية" في "حمص" وكان لها أثر كبير في حياتهم كما يتضح من حديث الدكتور "بسام" الذي يقول: «مما لا شك فيه أن أيام الكشافة التي ترعرعت في صفوفها - لما لأبي رحمه الله من ولع وتاريخ فيها- بداية في الفوج العاشر وبعدها في الفرقة الرابعة عشرة ترك أثراً هائلاً في تكويني الثقافي والنفسي لما قدم لنا من تربية وطنية واجتماعية متشبعة بالأخلاق وحسن التعامل والقدوة الحسنة طبعا بالإضافة لعدد من الهوايات المتعارف عليها آنذاك، مثل تعلم الموسيقا وممارسة النشاطات الفنية والاجتماعية والرياضية وخاصة لعب كرة الطاولة البينغ بونغ».
درس التلميذ "بسام" في مدرسة السريان الابتدائية الخاصة التابعة للكنيسة حتى الصف الثالث لينتقل منها بسبب العوز الى المدرسة الأموية ومنها إلى مدرسة "نسيب عريضة" الإعدادية، وبعدها تخرج في الثانوية الصناعية ليكمل
دراسته رغم تفوقه، الذي كان يؤهله للاستفادة من بعثة علمية لمتابعة دراسة الهندسة، إلا أنه أكملها في المعهد الصناعي المتوسط في "حمص" باختصاص الالكترون ثم نال شهادته، لكن ذلك لم يكن ليرضي طموحاته فأعاد دراسة الثانوية الأدبية أثناء عمله في حرفة الدهان التي تعلمها منذ الصغر ومارسها في فترة العطلات الصيفية أثناء الدراسة ليعيل نفسه من مردودها والتي أصبحت فيما بعدها مصدر رزقه أثناء مرحلة الشباب وحتى بعد تخرجه في الجامعة.
حمل حلمه وطموحه ليصل إلى ما هو أبعد من ظروفه، فمع دخوله الخدمة الإلزامية أخذ الشاب "بسام" على عاتقه متابعة دراسته الجامعية أثناءها، وتخرج في كلية التربية جامعة "دمشق" اختصاص "علم نفس" في العام 1986 وعمل فيها محاضرا لمدة عام ثم حصل على شهادة الدكتوراه بعلم النفس من الأكاديمية السوفييتية للعلوم التربوية من معهد علم سيكولوجية الاعاقات في "موسكو" في عام 1992. ومع عودته إلى الوطن التحق بوزارة التربية – الجهة المرسلة وعين في دائرة البحوث العلمية والتربوية.
وأثناء مشاركته في أحد المؤتمرات العملية في "بولندا" حصل على عرض للعمل في الجامعة هناك مع إمكانية متابعة التحصيل العلمي والبحث في علم النفس الإكلينيكي وهو ما كان مرادفاً لطموحه فقرر البقاء وبدأ العمل ليحصل على مرتبة البروفيسور في علم النفس الإكلينيكي بجامعة "بولندا" مدينة بيدغوشتش خلال سنة، ولمع نجمه في بولندا من خلال نشاطه المهني والاجتماعي وشارك في تأسيس جمعية المعالجين النفسيين البولنديين ليصبح رئيسها في العام 2009، كما حصل على عدد من شهادات التقدير والجوائز من الجامعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية كان منها ميدالية رئاسة المدينة التي يعيش فيها عن نشاطه في نشر الثقافة النفسية، وميدالية المحافظة عن أبحاثه في مجال الصحة النفسية ونشرها، وأيضا جائزة المركز الحكومي البولندي للاعاقات عن نشاطه في مجال الدمج الاجتماعي والتأهيل النفسي والجنسي للمعوقين، وآخرها كانت ميدالية لجنة التعليم الوطنية في بولندا عن أدائه الأكاديمي في العام 2012. له العديد من المقالات والكتب المنشورة بلغات متعددة في مجالات الصحة النفسية والجنسية وكذلك المساعدة النفسية كما أشرف على المئات من الرسائل العلمية للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه
مع الرئيس البولندي السابق وزعيم حركة تضامن ليخ فالينس
في علم التربية والنفس :
عن آخر نشاطاته العلمية ومشاريعه البحثية يقول البروفيسور "بسام عويل": «تم اختياري قبل ثلاث سنوات من قبل جامعة لندن للمشاركة في فريق بحث أوروبي كمنسق وباحث في موضوع سيكولوجيا الانترنت وظاهرة العنف الالكتروني وأنتهى حاليا من كتابة أطروحة في هذا المجال ستكون على شكل كتاب ينشر بعدة لغات، وأرجو أن يتم النشر باللغة العربية أيضاً، وكذلك أنتهي الآن من العمل بالتعاون مع عدة جامعات أوروبية على تأسيس "مركز للدراسات الثقافية والشرقية" يختص بشؤون الربيع العربي الذي تعيشه المنطقة برمتها ويهتم به الباحثون من مختلف الاختصاصات».
أوان رد الدين للوطن :
سعى البرفيسور "عويل" لنشر الثقافة العربية في مجتمعه الجديد ونظم لسنوات متتالية "أيام الثقافة العربية" التي استقطبت العديد من المهتمين بالثقافة العربية وعمل بذلك على تقريب الثقافات وتنشيط الحوار بين الأديان والثقافات، كما سعى إلى إقامة علاقات علمية بين جامعته وجامعة البعث "حمص"، وعن هذا الموضوع قال: «كانت بدايات التأسيس لهذا التعاون أني دعوت عدداً من الأساتذة الجامعيين السوريين في اختصاص التربية وعلم النفس للمشاركة في المؤتمرات التي أنظمها للاطلاع على الواقع والامكانات والخبرات التي عندنا بهدف الاستفادة منها ونقلها إلى سورية، كما قمنا بزيارات متبادلة وأجرينا المباحثات الصعبة جدا بهدف فتح آفاق للتعاون العلمي والمهني وتبادل الخبرات وكان شغلي الشاغل وهمي الأساسي هو الوصول إلى تطوير التعليم العالي والاختصاصي في حمص عبر عقد اتفاقيات تعاون من قبل الجامعات ومراكز البحوث الأوروبية التي أتعامل معها ومع جامعة البعث في حمص وجامعات سورية عموما، وأثمرت الجهود المشتركة مع الأصدقاء عن توقيع بعض الاتفاقيات في العام 2010 كنوع من "رد دين البلد وحمص علي شخصياً" ولكنها بقيت للأسف دون تنفيذ نظرا للروتين القاتل الذي تتسم به الحياة الأكاديمية رغم الرغبات المتبادلة من قبل الاختصاصيين والأساتذة والطلبة».
إلا أن الثمرة الحقيقية من جهود البروفيسور "بسام عويل" من تقريب الثقافة العربية في مدينته وجامعته ونشرها في المجتمع البولندي أتت عبر إقناع الجامعة عنده في افتتاح قسم لتدريس اللغة العربية: «قمنا هذه السنة – 2012 بتخريج الدفعة الأولى بدرجة الليسانس ونعمل
على توسيع الاختصاصات لتشمل الثقافة الاسلامية والمسيحية الشرقية أيضا على مستوى الدراسات العليا».
ولا يخفي "عويل" غيرته على الوطن ومستقبله العلمي والأكاديمي وخاصة لطلبة الجامعات وتحديدا في مدينته "حمص" في مجالات العلوم الانسانية كالتربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها: «لطالما كان يؤسفني أني بعيد عن طلبتنا الذين يشكلون لبنة المجتمع وأن باستطاعتي مساعدتهم على تطوير معارفهم وأدوات بحثهم وإغنائها بخبرتي التي جمعتها عبر سنوات البحث الطويلة، وكل ما أرجوه أن تمكنني الظروف بأسرع وقت أن أكون قريبا منهم وتقديم ما عندي لهم وفتح المجال كذلك أمام كل الطلبة والأساتذة للاستفادة من خبرات العالم المتطور عبر تفعيل التبادل العلمي والمهني والطلابي من جهة ودعم مشروع نشر الثقافة النفسية في مجتمعنا السوري الفتي».
مع السيدة الأولى في بولندا ماريا كاتشينسكا
"نقلا عن موقع حمص "