في قرية "غويندورف" على مقربة من "فيينا" عاصمة "النمسا" كان يعيش زوجان تقدَّمتْ بهما السن،
وليس لهما من مُعين الا ابنتهما الصبية التي كانت تعمل في متجر وتحصل ما لا يكاد يكفي العائلة خبزها اليومي.
وجاء يوم أغلقَ المتجر أبوابه، واضطر الى تسريح الصبيّة. وما هو إلا شهران اثنان حتى نفذ ما كان مع الصبية لشراء الخبز لوالديها،
فذهبت إلى صالون تجميل وعرضت على صاحب الصالون ان تبيعه شعرها الذهبي، وكانت تضفّره جدائل ولا أحلى.
وعادت بعد ايام، تحتاج الى ما يمكِّنها من شراء الخبز لوالديها العاجزين، فما العمل؟ سمعت أن طبيب أسنان مشهور
على استعداد ان يدفع (30) فلورين (عملة نمساوية) ثمن مَنْ يُقدِّم له سنّا صحيحه.
فذهبت اليه، وكانت تتمتع بأسنانٍ جميلة وعرضت عليه ان يشتري سنّاً واحدة. فسألها عن الداعي لقلع سنّ هكذا جميلة رائعة،
فضلاً عن الوجع الذي ستشعر به. ودمَعَت عيناها، فغطّت وجهها بيديها الاثنتين، وراحت تشهق باكية…
وقالت بصوت مخنوق ”لشراء خبز لوالديَّ العاجزين“.
ودمعت عينا الطبيب بدوره… ومدَّ يده فأخرج من جيبه ورقة نقدية من فئة (100) ”يورو“ عملة اوربا الجديدة.
فأجهشت الصبية بالبُكاء رافضةً أن تأخذها. وراح الطبيب يتوسل اليها أن تقبلها، ليس مثل ”صدقة“،
بل مكافاءة لطيبة قلبها، وإكباراً لعاطفتها نحو والديها.
وما انفك الطبيب يلحّ عليها حتى أخذتها، وشكرته بصوت متهدّج على كرَم أخلاقه.
وانا أيضاً دمعتْ عيناي، وقشعريرة هزَّتْ جسمي هزاً عنيفاً، وانا أكتب هذا الحدث، شفقةً على المسكينة، وإعجاباً بسمّو أخلاق هذا الطبيب ألإنساني.
وطيبة قلبه لم تسمح له الاكتفاء بما عمل، بل راح يتقصّى في معرفة عنوان العائلة ألفقيرة. وزارها ألطبيَّب خاطرالعجوزين . . .
وطلب منهما يدّ ابنتهما الصبية ليتزّوجها.
البِرَّ بالوالدين لاتغفل السماء عن مكافأته، وتقدّره النفوس النبيلة، ولا يُعدم أجره عند اللّه والناس.
.............