كل يوم.. يموت إنسان ويقتل إنسان..ويولد ألف طفل !
كل يوم نشترى ملابس وفساتين للطفل القادم..وآخرون يعدون كفناً لراحل !
كل يوم نضحك ونحتفل..وآخرون يبكون ويتقبلون التعازي فى فقيدهم !
وهناك البعض يجمع أشلاء أناس لايعرفهم
والحياة تستمر....
يولد الإنسان باكيا والناس يضحكون من حوله
تتلقفه الأيدي.. تحن عليه وتربيه وينشأ وينمو.. ثم يموت
يموت ونفس الأشخاص الذين ضحكوا بالأمس لقدومه..هم نفسهم اليوم يبكون رحيله!
والحياة تستمر....
يخوض معارك الحياة بضراوتها.. وقساوتها
ويعيش لذات الأيام بمختلف أشكالها وصورها
يتخاصم مع هذا.. ويهجر ذاك..
يودع صديقا.. ويفارق حبيباً.. ويتعرف على آخرون وآخرون
والحياة تستمر....
يكبر.. وينسى من رحلوا عنه ومن ماتوا.. ينسى أولئك الذين دفنهم بيديه
ويمشى فى زحمة الدنيا على دروب لا يعلم منتهاها
يشهد مأسويات الآخرين.. يشاركهم أفراحهم .. يختلط معهم
والحياة تستمر....
يكبر.. وينمو عقله.. تزداد تجاربه وخبراته.. ينسى معظمها.. ويغفل عن بعضها
ويستفيد من البعض القليل المتبقى منها
يتزوج.. ينجب أطفالا.. يربيهم.. وهم يكبرون.. ويصبحون أكثر طولا منه
والحياة تستمر....
وفى خضم هذه الدائرة التى نسميها حياة..
ينسى الإنسان لماذا خُلق ؟
وهل من أجل هذه الحياة قد خُلق ؟
يقف قليلا.. يتأمل حاله.. يتذكر ماضيه.. يسترجع أيامه
ليكتشف أنه نسي في زحمة ذلك الطريق شيئا من ممتلكاته
فقد صاحبا مخلصا.. وودع فى إحدى المحطات أخا وفياَ
فى لحظة حزن جارفة.. تحاصره نفسه ..تسائله ..أكنت تمشى دون هدف ؟
يأخذ نفساً طويلا .. ويراجع حساباته ..ليرى أنه فقد الكثير
وأنه مازال يفقد ويفقد..ثم يعترف : الحيـــاة ستزول !
هذه المرة : الحياة ستزول
تماما كما زال هؤلاء..وستنتهى تماما كما انتهى أولئك الأحبة !
الأحبة.. أولئك الذين رحلوا.. وأولئك الذى فقدتهم
ترى كم من الأشياء المهمة فقدتها أيضاً ؟
أسمع تثاؤباً بداخلي .. ترى من هذا النائم الذي تذكر اليوم أن يصحو؟
ها هو ضميرى إذن !
عمتَ صباحاً أيها الضمير.. ما أطول ما نمت !
أكان يجب عليا أن أخسر وأفقد وأودع وأنسى كل هذه الأشياء من أجل أن تصحو؟
لم جرحتُ من جرحت ؟ لم ظلمتُ من ظلمت ؟
لم قسوت ؟ لم تكبرت ؟ لم خدعت وسرقت ودست على كل من حولى بدعوى أن الحياة تستمر ؟
آسفاً.. عذراً.. كنتَ أنتَ نائماً وقتها !
مرة أخرى أعتذر.. كنتَ تغط فى سبات عميق يا ضميرى !
لكن ألم يكن هناك( منبه ) أو ( جرس ) أو يد توقظ
نعم.. كان يوجد كنتَ أسمع منبه
وكان رنينه لا ينقطع.. لكنك لم تستيقظ !
سهرت كثيرا يا ضميرى من أجل حسابات دنيا وتفاهات بشر
سهرتَ كثيراً.. ونمتَ طويلاً !
كان هناك جرس و ساعة مؤقتة لتصحو ولكنك لم تفعل
واليوم عرفت أن..
الحياة لن تستمر..
لو كانت هكذا.. لاستمر جدي ولم يمت
لو كانت هكذا.. لاستمرت صديقي ولم يرحل
لابد أن هناك نهاية.. وأن الحياة بالتأكيد ستزول
أكنتَ تنتظر حتى أنتهي أنا لتكتشف أن الحياة الدنيا ستنتهي ؟
لا تتكلم.. أعرف.. كنتَ نائما يومها!
ضاع منى الكثير فى طرقات الدنيا ومحطاتها
وأولئك الذين أخطأت في حقهم.. أين سأبحث عنهم ليسامحوني؟
أولئك الذين ظلمتهم .. أين سأسافر لهم ليعفونى ؟
وأنا .. كيف سأسامح نفسي..وكيف سأغفر لها وقتاً من العمر ولى دون عودة ؟
هناك كلمة كتبتها ولكنى ندمت.. فأى نوع من ( الممحاه ) سيمحيها ؟
أتذكر جملة قلتها.. لا بل أكثر.. أى صدأ هذا الذى سيجعلها طى النسيان؟
لم أنسَ أخطائي وذنوبي أنا.. فكيف سينساها علام الغيوب ؟
سجلا كل كلمة.. كل هفوة.. كل ذلة.. كل تفاصيل العمر لحظةً لحظة..
ثم أين ما ضحيتُ من أجله ؟ أين هو ؟
سراب..هو سراب لا محالة ..
متشعبة هى الطرق التى سلكتها.. فهل من دليل
لعلنى ألتقط بعضاً من الدقائق أو أشترى لحظة حياة حقيقية
لكنها كانت موجودة.. وكنت أستثقل مرورها..
كانت أمامى وكنت لا أراها..
كان كل شىء بيدي.. واليوم أحثوه ترابا على وجهي !
كيف حصل هذا ؟
عفواً
هل هناك من سيقول صباح الخير أيها الضمير
يارب أرحمنا في حياتنا ومماتنا ..لأننا نحن خرافك وأنت راعينا
يارب أرحم كل من قتله يد الغدر في كنائسنا وبيوتنا المقدسة
يارب يارب يارب ..هناك من يناديك