علم الدولة : الجنس : المشاركات : 9804 الإقامة : Sweden العـمل : IT-computer المزاج : Good السٌّمعَة : 316 التسجيل : 09/02/2007
موضوع: فلسفة هيجل والحقيقة العليا السبت مايو 01, 2010 4:54 pm
ولد جورج فيلهيلم فريدريش هيجل بتاريخ 27 أغسطس عام 1770 في عائلة بروسيا تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة، بمدينة اشتوتجارت في جنوب ألمانيا. في نفس العام الذي ولد فيه الموسيقار الألماني بيتهوفن والشاعر الإنجليزي الرومانسي وردزورث. كان الأخ الأكبر لثلاثة أولاد في أسرة متوسطة. جذور عائلته نمساوية بروستانتية. هاجرت الأسرة مثل غيرها من الأسر في القرن السادس عشر إلى ألمانيا، هربا من اضطهاد الكاثوليك للبروستانت. كان والد هيجل، موظفا حكوميا صغيرا. وكانت أمه شديدة الذكاء، محبة للتعلم على عكس نساء عصرها. دخل هيجل المدرسة الأولية، وكانت والدته تشرف بنفسها على هذه المرحلة. ألحِق سنة 1775م بالمدرسة الرومانية. ثم ذهب إلى المدرسة الدينية الثانوية بمدينة اشتوتجارت سنة 1780م، لمدة احد عشر عاما. أثناء هذه الفترة، توفت أمه سنة 1783م. وشرع في كتابة مذكرات بعنوان "حوار بين أوكتاف وأنطوان وليبيدوس" سنة 1785م، وكتاب بعنوان "الديانة لدي الإغريق والرومان" سنة 1787م. نال هيجل دبلوم الدراسة الثانوية سنة 1788م، ثم التحق بالمعهد الأسقفي في توبينجين لدراسة البروتستانتية بمنحة حكومية. وفي نفس العام، انجز بحثا عن "بعض الفوارق والإختلافات بين الشعراء القدماء والمحدثين". حصل هيجل على شهادة التعليم الفلسفي من المعهد الأسقفي سنة 1790م. لكنه قرر سنة 1793م، التخلي عن عمله كقسيس، وممارسة التعليم في مدينة بيرن. أثناء هذه المدة، كان زميله في السكن الجامعي هولديرلين، الذي أصبح فيما بعد، شاعر ألمانيا العظيم. وكذلك فيلسوف المستقبل شيلنج. بعد ذلك، مرت بهيجل فترة عصيبة، امتدت لسنوات عديدة. كان يكافح فيها للحصول على لقمة العيش واستكمال نظريته الفلسفية. أول وظيفة أكاديمية كمدرس فلسفة، كانت في جامعة جينا من 1801م إلى 1807م. بدأ بالعمل كأستاذ غير متفرغ. يحصل على أجره من الطلبة الذين يحضرون محاضراته. خلال هذه الفترة من القرن الثامن عشر، كانت هناك أحداث هائلة تمر بها القارة الأوروبية وأمريكا. العالِم المشهور "وات" يقوم بإستغلال البخار في الصناعة لأول مرة عام 1775م. الولايات المتحدة تعلن استقلالها عام 1776م. في نفس العام، يصدر كتاب أدم سميث "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم"، المعروف بالإسم المختصر "ثروة الأمم". جيبون، ينشر كتابه "انحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية". في عام 1778م، يموت جان جاك روسو. وينشر الفليسوف كانط كتابه "نقد العقل المحض" سنة 1781م. وفي نفس العام، تصدر مسرحية "اللصوص" لشيلر. وفي عام 1783م، ينجح لافوازيه في تحليل الماء. ويتم صهر الحديد وتشكيله بنجاح. وفي عام 1789م، هبت الثورة الفرنسية، واحتل الثوار سجن الباستيل. وتم اعلان حقوق الإنسان والمواطن. وظهر كتاب بنتام "مبادئ الأخلاق والتشريع". وفي عام 1790م، ظهر كتاب "نقد ملكة الحكم" للفليسوف كانط. في عام 1792م، ظهر كتاب فيشته عن "نقد الوحي بكل صوره". وفي عام 1793م، ظهر كتابه عن "اسهامات في الثورة الفرنسية". في نفس العام، تم اعدام لويس السادس عشر. في أكتوبر عام 1806م، سقطت مدينة جينا في يد نابليون بونابرت، واقتحم جنود بونابرت منزل هيجل. إلا أنه تحت هذه الظروف، أمكنه استكمال كتابه "ظاهريات الروح". وهو أعظم ما كتب في هذا الموضوع في الحضارة الغربية. لكنه صعب الفهم. من المستحيل استيعاب بعض أجزائه. لقد أردت أن أسهب عن قصد في المقارنة بين حال الغرب وحال الشرق ممثلا في الحالة المصرية، أيام هيجل. حتى نفهم، لماذا تطور الفكر الغربي وظهرت به هذه الحركات السياسية والفلسفية والثقافية والفكرية العظيمة. بينما كان الشرق ولايزال، يغط في سبات عميق. مكبلا بالفكر السلفي المتطرف والتخلف الشديد. الذي يحارب العقل والعلم والثقافة والفلسفة والفنون والآداب. مما أصبح يهدد، للأسف، وجودنا ووجود الدين الإسلامي نفسه. ما هي المدارس الفلسفية التي كانت معروفة أيام هيجل. لقد كانت توجد الفلسفة العقلانية الفرنسية يتزعمها ديكارت، والفلسفة التجريبية الإنجليزية يتزعمها هيوم. والفلسفة الألمانية، التي تزاوج بينهما، لكانط. وكانت توجد أيضا حركة فكرية جديدة توصف بالرومانسية الألمانية. كيف الوصول إلى هذه الحقيقة العليا التي لا أستطيع إدراكها بالعقل وحده؟ يجيب الرومانسيون، بالنظر داخل أغوار النفس. لن تجد الحقيقة في العالم الخارجي، الذي يعتمد وجوده على الحواس. إنما الحقيقة والحقيقة العليا، نجدهما في الداخل. داخل النفس. نحن هنا نشم رائحة أفلوطين وإخوان الصفا ومشايخ الطرق الصوفية. داخل أغوار النفس، يمكن الله ومعرفة الحقيقة ومعرفة سبب وجود الإنسان على هذه الأرض. وليس بالنظر إلى العالم الخارجي عن طريق العلوم والمنطق والفيزياء. إذا نظرت من الشباك، فلن تجد الحقيقة التي تبحث عنها. مثل الوجوديين الفرنسيين في القرن العشرين، استخدم الرومانسيون الألمان الأدب والرواية والشعر والدراما والمقالة والقصة القصيرة والموسيقى والشعر، للتعبير عن أغوار النفس الداخلية والشعور الإنساني، وشجب أي فلسفة أخري، تهمل التأمل في أغوار النفس البشرية. العلوم الحديثة، لم تنجح في كشف كل خبايا النفس البشرية. العالم لا يزال يكتنفه كثيرا من الغموض. التخاطب عن بعد. والأحلام التي تتحقق بالضبط. والنبوءات التي تصدق. والتجارب الخاصة التي يمر بها بعض الأفراد. وقراءة الأفكار بدون كلام. والوقوع في الحب. وموضوع الروح والحياة الأخرى والله والملائكة والشياطين...الخ. إرادة الفرد، تبحث عن الكمال. تحاول الوصول إليه عن طريق التجربة الخاصة والتجربة الروحية، أو عن طريق أحداث التاريخ وحركة الثقافة والفكر. تكافح بإستمرار مثل شخصية "فاوست" في مسرحية جوته. دافعها الوحيد، الرغبة العارمة للوصول للحقيقة. مما جعله يبيع روحه للشيطان، ثمنا لذلك. بالنسبة لفلاسفة عصر التنوير، الله هو المهندس المصمم لهذا العالم كآلة ميكانيكية. لكن بالنسبة للرومانسيين، الله هو روح هذا العالم. لا يوجد خارجه، ولكن يوجد في كل مكان. الموضوع الأخير بالنسبة للرومانسية، هو إيمانها بالإستقطاب. كل الأمور، لها وجه مقابل، أو وجه آخر. أي تجربة يمر بها الرومانسي، لها وجهان. لو كانت كل الأمور لها وجه واحد، لأصبحت الأمور جامدة صلبة قاسية. ويصبح الإنسان أسير أفكاره. هذه مشكلة الفكر المتعصب. لا يعترف برأي الآخر. لذلك، يصبح المتعصب أسير أفكاره. الرومانسية تحارب أحادية التفكير. حتي لا يصبح الفرد، عبدا لما يعتقد. أو كما قال فاوست: "طالما أنا ساكن راكد، فأنا مستعبد". ولقد قال الإمام الشافعي في مثل هذا المعنى: "رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". عندما دخل هيجل المعهد الديني في توبينجين لدراسة الفلسفة والدين لمدة خمس سنوات. كانت أفكار الرومانسيين في كل مكان. فأي الأفكار الفلسفية الموجودة لها التأثير القوي على هيجل؟ لقد تأثر هيجل بالرومانسية، بالرغم من هجومه عليها في بعض الأحيان. لقد كان يبحث هيجل عن فلسفة غير مقيدة بحدود. تشمل كل تجارب الإنسان وخبراته. تدمج كل المعارف: علوم وتاريخ ودين وسياسة وفن وأدب وموسيقى وشعر. كيف نجمع كل هذه الخبرات في نظام فلسفي واحد؟ وكيف نضعها كلها في نظرية منطقية واحدة بدون تعارض؟ لقد فعل ذلك، عن طريق مفهوم العقل المطلق أو الروح. كيف يجمع هيجل كل هذه الخبرات، بما فيها من تناقض وتوتر وتشاحن وتمازج وتجديد وتدمير وإبداع. كيف نضع كل ذلك في سياق وحدة عقلانية شاملة؟ لقد فعل ذلك عن طريق نظريته في "الجدلية". لكن، هذه الفلسفة الشاملة التي تبغي فهم الحقيقة، هي فلسفة ميتافيزيقية. هنا نجد هيجل قد وقع في مشكلة. هل الميتافيزيقا لا تزال ممكنة؟ التجريبيون، بدأً من جون لوك، كان موقفهم صعب بالنسبة للأمور الميتافيزيقية. الميتافيزيقا تفسر معني الوجود والمادة، ولكن كما يقول لوك، هل لدينا دليل أو تجارب عملية تثبت حقيقة هذه القضايا الميتافيزيقية؟ وهل عقل الإنسان قادر على فهم الحقيقة العليا، أو استدراك مثل هذه الأمور؟ كانت نصيحة جون لوك لباقي الفلاسفة: "لا تحاولوا بناء صرح كبير ميتافيزيقي" يكفيكم، تنقية الميتافيزيقا القديمة من الشوائب والتلوث. قام دافيد هيوم التجريبي أيضا، بمهاجمة الميتافيزيقا. الميتافيزيقا بالنسبة لهيوم، عديمة الفائدة، ومسألة تضييع وقت. لأنها ببساطة مسائل لا تدركها الحواس، ولا تخضع للتجربة. الميتافيزيقا تبحث في أشياء خارج نطاق الحواس، مجرد وهم. لذلك فهي غير ممكنة، ويجب التخلص منها وإلقاؤها في النار. ثم تذهب الفلسفة الغربية إلى كانط، الذي يجاهد ضد التجريبيين. ويدافع عن صحة العلوم. لكن دفاع كانط عن العلوم، لم يكن بالمجان. الثمن هو أننا لا يمكننا أن نعرف حقيقة الأشياء ولكن ظاهرها فقط. نحن يمكننا معرفة العالم الخارجي الذي يأتي إلى عقولنا. من خلال نظارة المكان والزمان وفئات أو برامج الفهم الموجودة داخل عقولنا. الميتافيزيقا هنا، هي محاولة معرفة الأشياء على حقيقتها. وهذا شئ مستحيل من وجهة نظر كانط. معرفة الحقيقة، غير معروفة لنا.لكن الميتافيزيقا بالنسبة لهيجل ممكنة. لقد أخذ هيجل من كانط، كون المعرفة تأتي عن طريق العقل، عن طريق نظارة المكان والزمان وفئات أو برامج الفهم. لكن هيجل له ثلاث إعتراضات علي نظرية كانط في المعرفة. لكن، ما هي نظرية هيجل الجديدة عن الحقيقة؟ لقد وجد هيجل طريقة يجمع بها ثقافة الإنسان وكل علومه وتجاربه الروحية المترامية من فنون وآداب ودين وسياسة وتاريخ، بالإضافة إلى تجاربه الشخصية، في نظرية واحدة. هذه النظرية، توحد كل المعرفة في عقل مطلق أو روح سرمدية أو الله، هي بمثابة الحقيقة العليا. مات هيجل بمرض الكوليرا عام 1831 أما كتبه عن الجماليات وفلسفة الدين وفلسفة التاريخ فلم تنشر إلا بعد موته. ترك هيجل ما يربو على عشرين مجلدا نشرت بالألمانية عدة مرات، وترجم معظمها إلى عدة لغات، من بينها العربية .