لماذا لا تحدث الإغلاقات الحكومية إلا في الولايات المتحدة؟
أغلقت الحكومة الأمريكية مؤسساتها الفيدرالية عشر مرات خلال ما يزيد عن الأربعين عاماً الماضية. وفي غضون ذلك،
فإن الحكومات في الدول الأخرى تواصل العمل، حتى في خضم الحروب والأزمات الدستورية.
إذاً لماذا تستمر هذه الظاهرة الأمريكية الفريدة في الحدوث؟
بالنسبة لمعظم مناطق العالم، يُعتبر الإغلاق الحكومي خبراً سيئاً للغاية - فهو قد يكون نتيجة لحدوث ثورة أو غزو أو كارثة.
أما أن يقوم قادة واحدة من أقوى الأمم على الأرض بإرادتهم بافتعال أزمة توقف الخدمات العامة وتُخفّض من النمو الاقتصادي،
فهذا أمر مفاجئ للكثيرين.
وقد تمكن الكونغرس، في اتفاق اللحظة الأخيرة السبت، من تجنب الإغلاق عبر تمرير مشروع قانون إنفاق مؤقت
سيبقي الحكومة في عملها لمدة 45 يوماً آخر. لكن ذلك يعني أنه سيتعين على السياسيين العودة إلى طاولة الحوار،
وقد تواجه البلاد إغلاقاً آخر من جديد، حالما ينضب التمويل.
إذاً، لماذا يستمر هذا الأمر في الحدوث؟
إن النظام الفيدرالي الأمريكي في الحكم يسمح بتحكم أحزاب مختلفة بأمور حكومية ووطنية. هذه الهيكلية وضعها مؤسسو
الدولة للتشجيع على الوصول إلى حلول وسط وعلى التأني في اتخاذ القرار، ولكن كان لهذه الهيكلية مؤخراً تأثير عكسي.
والسبب في ذلك هو أنه في عام 1980، أصدر النائب العام في عهد إدارة الرئيس جيمي كارتر تفسيراً ضيقاً لقانون
مكافحة العجز الذي سن في 1884. ومنع قانون الإنفاق الذي شُرّع في القرن التاسع عشر الحكومة من الدخول
في عقود دون موافقة الكونغرس، وطوال قرن تقريباً، سمحت الحكومة باستمرار الإنفاق الضروري،
في حال وجود فجوة في الميزانية. لكن بعد 1980، اتخذت الحكومة موقفاً أشد صرامة مفاده: لا ميزانية، لا إنفاق.
وهذا التفسير جعل الولايات المتحدة مختلفة عن الأنظمة الديمقراطية غير البرلمانية الأخرى، كالبرازيل،
حيث السلطة التنفيذية القويه فيها تستطيع الحفاظ على عمل مؤسسات الدولة عند الوقوع في مأزق يتعلق بالميزانية.
وأول إغلاق حكومي في الولايات المتحدة حدث بعد وقت قصير من عام 1981، عندما رفض الرئيس رونالد ريغان
مشروع قانون لتمويل الحكومة، واستمر الإغلاق بضعة أيام. ومنذ ذلك التاريخ، حدثت عشرة إغلاقات على الأقل
أدت إلى توقف الخدمات، واستمرت لفترات تراوحت بين نصف يوم وأكثر من شهر. وآخر إغلاق،
والذي استمر من 21 ديسمبر/ كانون الأول 2018 وحتى 25 يناير/ كانون الثاني 2019، كان الأطول
في تاريخ الولايات المتحدة.
أمريكا تتجنب الإغلاق الحكومي بتمرير مشروع قانون التمويل الفدرالي المؤقت :
وبينما استمرتقديم بعض الخدمات الأساسية، مثل الضمان الاجتماعي والجيش، فإن مئات الآلاف من موظفي الحكومة
الفيدرالية لم يتقاضوا رواتبهم. وفي ذلك الحين، قدّر البيت الأبيض أن الإغلاق الحكومي خفّض النمو في الناتج المحلي
الإجمالي بمعدل 0.1 في المئة عن كل اسبوع استمر فيه وقف صرف الرواتب.
إن من المستحيل أن يحدث مثل هذا الإغلاق بصورة عملية في أي مكان آخر من العالم. فالنظام البرلماني المعمول
به في معظم الأنظمة الديمقراطية الأوروبية يضمن خضوع السلطتين التنفيذية والتشريعية لنفس الحزب أو التحالف الحاكم.
ومن الممكن أن يرفض البرلمان تمرير موازنة مقترحة من رئيس الوزراء، لكن هذا العمل سيتسبب في إجراء انتخابات
جديدة على الأرجح - وليس في وقف للخدمات كالحدائق العامة والعائدات الضريبية وبرامج المساعدات الغذائية.
وذلك ما حدث تماماً في كندا في 2011، عندما رفضت أحزاب المعارضة الميزانية التي اقترحها حزب المحافظين
برئاسة رئيس الوزراء في حينه ستيفن هاربر، والذي كان يتمتع بأقلية في مقاعد البرلمان.
ثم مرر مجلس العموم اقتراحاً بحجب الثقة عن الحكومة، وهو ما أدى إلى إجراء انتخابات جديدة.
في هذه الأثناء استمرت الخدمات الحكومية في القيام بعملها.
وحتى في بلجيكا، التي لم يكن فيها حكومة منتخبة في السلطة لمدة 589 يوماً خلال الفترة بين 2010-2011،
ظلت القطارات تسير فيها كالمعتاد.
ومن وقت قريب، نجحت أيرلندا في إبقاء كافة الخدمات في حالة عمل خلال الفترة من 2016-2020 في ظل حكومة
أقلية بنظام الثقة والتوريد، وهو نظام يتم العمل به عندما توافق الأحزاب غير الموجودة في السلطة على دعم
مشاريع قوانين الإنفاق وعمليات التصويت على الثقة.
لكن هذا النوع من التعاون أصبح نادراً بشكل متزايد في الولايات المتحدة، حيث تبدو الأحزاب السياسية المتنازعة
مستعدة لاستخدام عمل الحكومة اليومي كورقة مساومة لانتزاع مطالب من الطرف الآخر. وآخر إغلاق،
على سبيل المثال، هو نتيجة مطالبة أقلية من الأعضاء المحافظين المتشددين من الحزب الجمهوري في الكونغرس
بفرض تخفيضات عميقة على الإنفاق لا يدعمها الوسطيون في حزبهم ولا الديمقراطيون.
وفي النهاية، تم التوصل إلى اتفاق السبت ولكن بثمن كبير هو وقف التمويل الإضافي للحرب في أوكرانيا.
ومع بدء العمل باتفاق التمويل المؤقت الذي يستمر 45 يوماً، تبقى الأنظار مسلطة على الولايات المتحدة لمعرفة نوع
الاتفاق الجديد الذي سيتم التوصل إليه - هذا إذا كان بالإمكان الوصول إلى اتفاق من أصله.
"روبين ليفنسون كينغ وأنتوني زيرتشر"
_________________