ترمز إلى السير نحو المعرفة، الحكمة وأفكار الجمال من شرق المتوسط إلى أوروبا.
كانا قدموس Cadmo وأوروبا Europa شقيقين، أمير وأميرة من صور الفينيقية { حيث كانت صور أهم المدن في فينيقيا وقتها }.
تقول القصّة بأنّ أوروبا كانت تتمشى على شاطيء مدينة صور. كانت شابة جميلة وذكيّة. وعندما شاهدها زيوس، كبير آلهة اليونان،
سحره جمالها وقرّر اختطافها وأخذها معه إلى اليونان.
فتحوّل زيوس إلى ثور ضخم ملفت للانتباه. أعجب الثور أوروبا، فاقتربت منه وصعدت على ظهره.
فاغتنم زيوس الفرصة مباشرة كي يختطفها. { بحسب الأساطير اليونانية، امتلك زيوس ميزة تبديل شكله
لحوالي 1000 شكل مختلف. وفي فينيقيا القديمة، كان يُطلق على الرجال الشباب الأقوياء والجذابين لقب" ثيران "،
وربما هذا ما تحاول القصة أو الإسطورة قوله هنا }. { تخيلوا صبيّة تغازل صديقها وتقول له:
يا توري! في المشرق غالباً ما يصفون المتهوِّرْ: بالثور بالفصحى وبالعاميّة تور!
ويستخدمون المثل العربي الشهير: نقول له ثور .. فيقول: احلبوه! كحال راكبي أيّ موجة .. فينيق }.
حمل زيوس أوروبا إلى جزيرة كريت، هناك بقيت في الأسر وانجبا عدد من الأبناء.
كان أحدهم مينوس الذي صار ملكاً للجزيرة وأسّس حضارة هامة.
{ يأتي من اسم هذا الملك الإسطوري اسم الثقافة المينوسية. يُقال بأنها كانت أوّل حضارة غربية
مؤسسة من ابن الإله والأميرة الفينيقية، ولهذا يقولون اليوم بأنّ الثقافة المينوسية ما هي إلاّ تعبير عن ثقافة فينيقية }.
كان لعملية الاختطاف صدى في اليونان، سواء على صعيد الإلاهات كما على صعيد الآلهة بجبل الأوليمب،
الذين احتجوا على زيوس واشتكوا منه. { عاشت آلهة اليونان في جبل الأوليمب }.
لم يوافق أحد على الأهمية التي اكتسبتها أوروبا ونسلها. قمنَ الإلاهات بالاحتجاج لوجود عدد نساء كافي في اليونان،
في حين فضّل زيوس امرأة أجنبية، وليس هذا فقط: كانت تلك المرأة قابلة للموت { الفانية }
وليست كإلاهة مثلهن. أصابت إلاهات اليونان سهام الغيرة من أوروبا. احتجّ الآلهة الذكور ضد زيوس
لأنهم لم ينتبهوا خلال مغامراتهم لما جرى، حتى لم يتسنى لهم رؤية هذه المرأة الجميلة، الذكية والجذّابة.
قالوا بأنّ زيوس أنانيّ بصورة كليّة لعدم تقاسمها معهم. أصاب الغضب جميع الآلهة من زيوس.
طلب الأمير قدموس، شقيق أوروبا، من زيوس إطلاق سراح أوروبا، لكن لم يجد أيّ أذن صاغية لطلبه.
لهذا قرَّرَ الذهاب إلى كريت لتحرير الأميرة الأسيرة في برج قصر بحراسة تنين بثلاث رؤوس
{ يبدو أنه من تلك الحقب القديمة، كُتِبَتْ أوّل رواية عن أميرة مختطفة، يقرّر أمير إنقاذها }.
عندما وصل قدموس إلى جزيرة كريت لإنقاذ شقيقته أوروبا، تصدت له كلّ الآلهة وهددوه:
قالت له الإلاهات بأنه إن يحاول إنقاذ أوروبا فسيقتلونها، فيما قال له الآلهة الذكور إن لم ينقذها فسيقتلونه!
وقع قدموس في مأزق: فإن ينقذ أوروبا فإنها ستموت، وإن لم ينقذها سيموت هو. بالنهاية قرَّرَ إنقاذ شقيقته
وأنّها ستعود إلى فينيقيا.
غضب الجميع، آلهة وبشر، من الإله زيوس، لكن لا احد يتمكن من مواجهته فهو الإله القادر على كل شيء.
عرف قدموس بأنه يواجه تحدي عظيم، كذلك عرف بأنه لن يتمكن من خوض قتال ضد زيوس،
ولهذا قرّر عدم مواجهته مباشرة بل مواجهة تنينه، الذي يحرس أوروبا. بحكمة، تخطيط ومثابرة،
تمكّن قدموس من الانتصار على هذا الوحش.
مع ذلك، وكما حدث التهديد سابقاً، قتلن الإلاهات أوروبا. شعر زيوس بالألم لفقدانها، وأطلق اسمها على كامل القارّة،
كتكريم لذكراها وتخليد له. تبنت الإلاهات حكمة أوروبا ومسلكياتها. كذلك ابتهج الآلهة الذكور بالمعارف والتقنيات
التي تلقوها بفضلها. { بهذا أثّر الفينيقيون، من خلال الثقافة المينوسية، بتطوير الثقافة اليونانية }.
اعتبر قدموس بأنّه لا يمكن للآلهة أن تستمر بفرض مشيئتها بهذه الطريقة. وقد تنبّه لأن قوة تلك الآلهة
يمكن أن تتهاوى، حينما يهاجم الإنسان الوحوش التي استخدمتها تلك الآلهة لتخويف الناس.
كذلك لاحظ بأنّ تلك الوحوش تتغذّى على الجهل الذي سبّبه الخوف. لهذا اقترح أن تتمثّل قوّة الكائن البشريّ
بالذكاء والمعرفة فقط.
هكذا جرّد قدموس التنين من أنيابه، وزرعها في كامل منطقة البحر المتوسط، حيث نبتت من كل ناب مدرسة
علمت الكائن البشريّ أهمية معرفة العالم، تحسيته ومواجهة كل العوامل المسببة للخوف والأذى.
لهذا أطلقوا على قدموس Cadmo اسم المُعلّم أو " المُعلّم الأوّل ".
وتأتي كلمة آكاديمية academia وآكاديمي académico من اسمه Cadmo.
ملاحظة :
تعني كلمة أوروب أو أوروبا باللغة الفينيقية الغربيّ أو ما كان غرب، وكما ذكرنا أعلاه مينوس هو ابنها،
الذي ساهم ببناء أوّل حضارة غربية في كريت. حمل قدموس الأبجدية إلى اليونان من موطنه فينيقيا،
تعني كلمة قدموس باليوناني أو قدمو بالفينيقي الأوّل. وقد أطلق اليونانيون على المدارس تسمية آكاديمية
على شرفه، ومن يُعلّم فيها آكاديميون أي مثل قدمو المعلّم.
وصلتنا قصّة قدموس وأوروبا عن طريق الشاعر الروماني هوراس في كتابه Odas III
وعن طريق الشاعر الروماني أوفيد في كتابه التحولات
ملاحظة خارج الموضوع - فينيق:
نجد القصّة / الإسطورة { الأسطورة } بكثير من المواقع العربية وتختلف فيما بينها بشكل بسيط جداً
، وجدير بالتنويه صدور كتب شعرية ومسرحية تناولت القصة، من أشهرها مسرحية الأديب اللبناني سعيد عقل
وبعنوان قدموس، حيث يقول في مقدمة المسرحية:
منقول