النص الكامل للمنشور البطريركي بمناسبة الصوم الأربعيني المقدّس :
نهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى إخوتنا الأجلاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأوّل مفريان الهند،
وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والقسوس والرهبان
والراهبات والشمامسة الموقرين والشماسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية
بشفاعة السيّدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقدّيسين، آمين.
بعد تفقّد خواطركم العزيزة، وإهدائكم البركة الرسولية والأدعية الخيرية، نقول:
نستقبل الصوم الأربعينيّ المقدّس في هذه السنة ونحن نحتفل بيوبيل الألف وخمسمئة عام على رقاد القدّيس الملفان مار يعقوب السروجي.
فرأينا أن ندعوكم لتتأمّلوا معنا بما كتبه مار يعقوب السروجي عن الصوم المقدّس لنغوص معه في روحانية هذا الصوم
فننال بركته العظيمة ونصل من خلاله إلى فرح عيد القيامة المجيدة، مُعلِنين انتصار الحياة على الموت.
"مع بداية صومنا، فلنرفعِ الصلاةَ متضرّعين لأنّ بها نخلُص من الأذى
مع بداية صومنا، فلنرذلِ النوم متيقّظين، ولنتنشّط نحو الخدمة على الدوام
مع بداية صومنا، فلنعطِ الصدقة مُشفقين، ليرضى بصومنا الربُّ بمحبّته.
مع بداية صومنا، فلنبغضِ الخطيئة بالكامل، ولنعشقْ جميعُنا أعمالَ الحقّ بالعموم
مع بداية الصوم الذي هو كنزُ كلّ الخيرات، هلمّوا ننشط ونحصد ثمار التوبة
مع بداية الصوم لنعدِّ الجسد والنفس معًا للدخول في ميدان الصراع
مع بداية الصوم الذي هو سبب الحسنات، فلنسعَ جميعُنا لكي في نهايته ننالَ الإكليل
مع بداية الصوم فلنرمِ عنّا كلَّ السيّئات ولنصُمْ كلُّنا بطهارة وتميّيز
مع بداية الصوم فلننسجْ لنا إكليلاً من الصدقات، لكي في نهايته نصير نُدماء في العرس
مع بداية الصوم فلندعُ أنفسنا للتوبة لكي نفرح في نهايته مع الختن في مخدع النور
مع بداية الصوم فلنرمِ عنّا كلّ المكروهات ونتّشح بثياب النسك التي بها نتزيّن
مع بداية الصوم فلنطهّر أنفسَنا من الأفكار الرديئة لكي في نهايته نُسرَّ بالعرس المليء غبطةً
في بداية الصوم لا نتراخَ كالضعفاء، بل لنكنْ أقوياءَ في وجه الأهواء والشهوات
هذا هو الصوم الذي صامه الأبرارُ بقداسة من جيل إلى جيل، وبه دنوا من الله وظفروا
هذا هو الصوم الذي ارتقى به موسى المختار ليرى مسكن الألوهة في جبل سيناء
هذا هو الصوم الذي به ارتفع إيليا إلى الأعالي العالية واستحقّ أن يسكن مع الملائكة
هذا هو الصوم الذي به نجا دانيال من الحيوانات الضارية التي رُميَ إليها
هذا هو الصوم الذي أطفأ أتون النار عن أبناء حننيا الصائمين فلم يحترقوا.
فلنعدَّ أنفسنا، أيّها السامعون المؤمنون، لأنّ الصوم وصل لكي يمتنع الجميع عن السيّئات
فلنطهّرْ أنفسنا من عمل القبائح لكي نبلغ فصحَه العظيم بقداسة
ولنخرج للقاء الصوم الذي جاء بهمّة، ولنتصارع بواسطته ضدّ قوّة العدوّ
هلمّ بالسلام يا صومًا صامه سيّد البرايا وبه انتصر على الشيطان الذي حاربه بمكر
هلمّ بالسلام يا عظيم القوّات والكبائر، فبِكَ ينتصر كلُّ مَن يبغض الشهوات
هلمّ بالسلام يا كنزًا مليئًا بالخيرات، فمنك يغتني كلُّ مَن اتّشح بالفقر
هلمّ بالسلام يا سفينةً تحمل كلَّ الكنوز وجاءت تُفرغ الثروات الوفيرة في الكنائس
هلمّ بالسلام يا مشعلاً كلّه لمعان، بواسطته فارقَتِ الظلمةُ (العتمة) كلَّ مَن نظر إليه
هلمّ بالسلام يا مائدةَ الخيرات وكلِّ المباهج، يَشبع منك بسخاء كلُّ جائع
هلمّ بالسلام يا معلّمًا يعلّم المحاسن ويحجب عن كلِّ مَن يقبلُه الفضائحَ
هلمّ بالسلام يا كاهنًا يُرضي اللهَ ويغفرُ كلَّ الذنوب والذلّات
هلمّ بالسلام يا رسولاً يكرزُ بالحقّ ويا مبشّرًا ذاع صوتُه في الكنائس
ما أجمل الصوم للشبيبة والفتوّة، فهو يهدّئ الواحدة ويربّي الأخرى دون ضرر
ما أجمل الصوم للشيوخ الذي دنَوا من النهاية، فالصوم الطاهر يساعد ضعفَنا
ما أجمل الصوم للأبرار والكهنة والنسّاك، فبصلواتهم يحملون الأرض كالعواميد
ما أجمل الصوم للملوك والضعفاء والفقراء، فهو يعظّم الملوك ويقدّم الضعفاء نحو صفوفهم
ما أجمل الصوم لجميع أبناء الكنيسة المقدّسة، فملكوت السماوات مهيّئة لهم لكي يتنعّموا به
انظروا أيّها الصائمون بأيّ ترتيب تَقبَلون الصومَ الذي يعظّم مَن صامه بقداسة
فليتقدّس بالصوم الطاهر الجسمُ بأكمله لكي يصبح للربّ هيكلاً طاهرًا فيحلَّ فيه
فلتتطهّر بالصوم الطاهر كلُّ المشاعر الروحيّة والجسديّة من الدنس
وليُزجَر بالصوم الطاهر من أنفسنا كلُّ فكر وشهوة وكلام رديء
فلتصُمِ العينُ بألّا تنظر بشهوة، بل لتلتفت وتنظر إلى أعالي السماء
فلتَصُمِ الأذنُ عن سماع الكلام الباطل، بل لتنصتْ إلى صوت النواميس الإلهية
فليصُمِ الشمُّ عن روائح التراخي، لكي يتنشّقَ رائحةَ الألوهة الزكية
فليصُمِ الفمُ عن الطعام الزائد لكي يسبِّحَ بقداسة مع الروحانيّين
ولتعطِ الأيادي الصدقاتِ بالصوم لكي يكون صومًا مرضيًّا لله
ولتصمِ الأرجلُ عن السير بين العثرات، بل لتلُجْ بابَ الله العظيم
فليصمِ الجسدُ والنفسُ والروحُ والذهنُ صومًا طاهرًا من كلّ السيّئات
أيّها الصائم، احفظ بحذرٍ لسانَك من الأفكار ومن الأفعال الرديئة
صُمتَ عن الخبز، فليَصُمْ لسانُك عن السيّئات، لكي لا يصبحَ صومُك مرذولاً وغير مقبول
طهّرْ قلبَك وذهنَك وأفكارَك من السيّئات التي تُدينك أمام العدالة
كُنْ بالصوم صانعَ خيرٍ ومجتهدًا، لكي تنال مكافأةً في اليوم الأخير
أنثرْ صدقاتِك على الفقراء عندما تصوم لكي يُتكأك الصالحُ على مائدته المليئةِ خيرات
اقتنِ بالصوم الوداعةَ والراحةَ لكي ترتفع به إلى درجة الكاملين العليا
إكسِ بثوبٍ العريانَ الذي يقصدُك فيلبسَك الصالحُ ثوبَ المجد في الملكوت
ادعُ الأرملةَ واملأْ جعبتَها من مائدتك ليعطيَك الربّ الصالحُ المكافأةَ كما وعد
اعضدِ المساكين والبِسِ اليتامى والعراة، واحصل على الأجر مع لعازر في ملكوت السماء
لا تقتلِ الجسدَ بالصوم والنفس بالخطايا، بل ليصمِ الجسدُ والنفسُ واللسانُ معًا.
أهّلنا ربّنا لكي نتمسّك بالصوم بحكمة، لأنّ به أخزيتَ العدوَّ الذي أخزى آدم
أهّلنا ربّنا لكي نتمسّك بالصوم بشجاعة، لأنّ به هزمتَ الشيطانَ الذي هزم أبانا آدم
أهّلنا ربّنا لكي نصوم صومَك بمودّة، لأنّ به صرعتَ الشيطان الذي صرع أبانا آدم
أهّلنا ربّنا لكي نحمل نيرَك بمحبّة، وبه نتسلّح ضدّ الشيطان الذي يحاربُنا
أهّلنا ربّنا لكي نسعى وراءك باستقامة، وبمساعدتك ننتصرَ على قوّة العدوّ
أهّلنا ربّنا لكي بواسطة صومنا ننتصرَ على الأهواء ومحبّة المال والجشع والشراهة
أهّلنا ربّنا لكي بواسطة صومنا نُقصيَ عنّا الشهوات والملذّات الجسدية
أهّلنا ربّنا لكي بواسطة صومنا نرميَ عنّا المجدَ الباطل والافتخار والعجرفة
أهّلنا ربّنا لكي بواسطة صومنا نُبعِدَ عنّا كلَّ الأثقال الجسدية والأرضية.
أهّلنا ربّنا لنصوم جميعُنا بقداسة الصومَ الطاهر الذي ترتضي به ألوهتُك
واعطِنا ربّنا أن ننتصرَ بالصوم على الشهوات، وليَصُمْ فمُنا من السيّئات كما من الخبز
أفضْ بسرعة بركاتِك الغنيّة على مَن يركض ليحتميَ بك بالصوم الطاهر
عظّمْ كنيستَك واحفظ أبناءها من المضار، وليحمِ أمنُك العالمَ من الخصوم
بمراحمك، فليُخزَ الشيطانُ الذي يصارعُنا، مباركٌ أنت من الجميع لأنّك معطي كلّ الخيرات."
(الميمر 133 – عن الصوم)
أيّها الأبناء الأعزّاء،
بارك الربّ الإله صومكم وتقبّل صلواتكم وصدقاتكم وتوبتكم، وأهّلنا جميعًا لنحتفل بعيد قيامته المجيدة بفرح.
نسأله تعالى أن يحفظكم من كلّ مرض وألم وخاصة من وباء كورونا المتفشّي، ضارعين إليه أن يشفي المرضى والمصابين به
ويرحم أمواتكم المؤمنين، بشفاعة السيدة القديسة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين،
آمين.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق
في الثاني عشر من شهر آذار سنة ألفين وإحدى وعشرين
وهي السنة السابعة لبطريركيتنا
صيام مبارك وكل عام وأنتم بألف خير