غيَّب الموت الفنان الكبير وديع الصافي عن عمر 92 عاماً، بعد نقله إلى مستشفى Bellevue - المنصورية
عند الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم إثر تعرّضه لوعكة صحية حين كان متواجداً في منزل ابنه طوني في المنصورية.
وفي ملخص عن سيرة حياة الصافي:
وُلد وديع فرنسيس في 1 تشرين الثاني 1921 في بلدة نيحا الشوف، وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة
المكونة من ثماني أولاد، كان والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس رقيباً في قوى الأمن الداخلي.عاش الصافي طفولة متواضعة يغلب
عليها طابع الفقر والحرمان. ونزحت عائلته إلى بيروت ودخل وديع الصافي مدرسة دير المخلص الكاثوليكية، فكان الماروني الوحيد
في جوقتها والمنشد الأوّل فيها.وبعدها بثلاث سنوات، إضطر إلى التوقّف عن الدراسة، لأن جو الموسيقى كان يطغى على حياته من جهة،
ولكي يساعد والده في إعالة العائلة من جهة أخرى.لم يكن وديع الصافي قد اكمل السنتين من عمره عندما أذهل خاله نمر العجيل
بقوة صوته ونقاوته. وكان يطيب له أن يمسك بيده ويجول واياه في احياء بلدة نيحا. وعند سماع صياح الديك كان الطفل يتوقف
لبرهة ويصيح بدوره مقلداً الديك ببراعة فيربت الخال على كتفه اعجاباً وهو يتمتم "مش معقول ولد بها العمر بيملك هالصوت".
وشاءت الصدف أن يردد العبارة عينها الراحل محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني اوائل الخمسينات "ولو" المأخوذة من احد افلامه
السينمائية وكان وديع يومها في ريعان الشباب. فشكلت هذه الاغنية علامة فارقة في مشواره الفني وتربع من خلالها على عرش الغناء العربي،
لقب بصاحب الحنجرة الذهبية وقيل عنه في مصر مبتكر "المدرسة الصافية" (نسبة الى وديع الصافي) في الاغنية الشرقية.
انهالت العروض على وديع لإحياء الحفلات وتمثيل الافلام وانقلبت حياته رأساً على عقب فصار ملك الغناء من دون منازع.
العتابا… الغزيّل… ابو الزلف وغيرها من اغاني الفولكلور اللبناني، كان ينشدها وديع بجدارة، فلفت انتباه زملائه واساتذته في مدرسة الضيعة
"نيحا" تحت السنديانة وفي الهواء الطلق وبعدها في مدرسة الآباء المخلصين في بلدة جون.أول اجر قيّم تقاضاه في بداية مشواره الفني
كان ثماني ليرات ذهبية من الست نظيرة جنبلاط والدة الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط، وذلك لقاء غنائه لها وهي طريحة الفراش
وكان يومها لا يتجاوز الحادية عشرة.ولعبت الصدفة دورها في حياة الصافي، عندما دخل عليه شقيقه توفيق يحمل قصاصة ورق عن إعلان
لمسابقة غنائية تنظمها إذاعة لبنان الرسمية والمعروفة حينذاك باذاعة الشرق الادنى.فشارك وديع في المسابقة ونال الجائزة الاولى في الغناء
من بين اربعين متباريا ولشدة اعجاب لجنة التحكيم بصوته وبمقدمهم رئيسها اميل خباط طلبت منه الانتساب رسمياً إلى الاذاعة
واطلقت عليه اسم وديع الصافي بدل وديع فرنسيس.واستطاع الصافي في فترة قصيرة ابراز موهبته على افضل وجه،
وكانت أول أغنية فردية له بعنوان "يا مرسال النغم" وهو لا ينسى اليوم الذي اضطر فيه ان يحل مكان احد الشيوخ ليؤذن لصلاة العصر،
وانهالت بعدها الاتصالات والرسائل على الاذاعة تسأل من هو هذا الشيخ صاحب هذا الصوت الشجي؟
وكانت اللجنة الفاحصة مؤلّفة من ميشال خياط، سليم الحلو، ألبير ديب ومحيي الدين سلام، الذين اتفقوا على اختيار اسم "وديع الصافي"
كإسم فني له، نظرًا لصفاء صوته. فشكلت إذاعة الشرق الأدنى، بمثابة معهد موسيقي تتلّمذ وديع فيه على يد ميشال خياط وسليم الحلو،
الذين كان لهما الأثر الكبير في تكوين شخصيّته الفنية. بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع
بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية.
ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة. فكانت البداية مع "طل الصباح وتكتك العصفور" عام 1940.
تزوج الصافي من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية انطلاقًا من أصولها الفولكلورية،
من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني وزكي ناصيف،ووليد غلمية، وعفيف رضوان،
وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر عام 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا،
ليستقرّ عام 1978 في باريس. وكان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة.
منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ اعمال
الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.وخضع الصافي عام 1990، لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء.
وعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه،
مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل.
لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.
يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته
بأن ما أعز من الولد الا البلد.كان له الدور الرائد بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، وفي نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد.
أصبح مدرسة في الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضاً.
واقترن اسمه بلبنان، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صوّر شموخها وعنفوانها.
الرحمة السماوية لروحه الطاهره فقد كان قديسا بكل معنى الكلمة