ألتقى الباطل بالحق، فرأى الحق يرتدي ثياباً مهلهلة، وقد ظهرت عليه علامات الإعياء الشديد:
- الباطل: ما لي أراك منهك القوى؟
- الحق: إني لم أضع طعاماً في فمي طول اليوم.
- الباطل: لماذا؟
- الحق: إني لا أملك مليماً واحداً.
- الباطل: إنك عجيب في تفكيرك .. ستعيش فقيراً، وتموت جوعاً، لأنك تدعى إنك مدقق وأمين. لا تعرف كيف تكسب الناس ولا كيف تتعامل معهم.
أما أنا فأعرف كيف أسحب قلوبهم بالخداع، وأسطو على ما في جيوبهم وهم مسرورون.
تعلم الخداع وأترك ضيق أفقك.
- صمت الحق قليلاً وأبدى رفضه تماما لمشورة الباطل.
- كرر الباطل نصيحته، وإذ جاع الحق جداً قال له: ماذا أفعل؟
- فرح الباطل جداً. وأمسك بيد الحق، وهو يقول: هلم نذهب للعشاء معاً.
- سار الإثنان معاً حتى بلغا مطعماً فاخراً. طلب الباطل العشاء له وللحق..
وإذا أكلا جاء إليه الجرسون، وقدم لهما كشف الحساب منتظراً منهما أن يدفعا الحساب.
- صرخ الباطل بصوتٍ عالٍ: أين بقية الحساب، لقد سلمتك قطعة ذهبية أعطني الباقي.
- أجاب الجرسون لم تعطني شيئاً.
- وقف الباطل وبعنف شديد قال: ماذا تقول؟ ألم أعطك قطعة ذهبية؟
- جاء صاحب المطعم بسرعة ليرى ماذا حدث.. وإذ سمع القصة من الإثنين خشى على سمعة المطعم، فقدم بقية الحساب للباطل، وإعتذر له على ما صدر من الجرسون.
- تألم الحق جداً لما يحدث، وبقوة صار يعاتب الباطل: ها أنت شوهت صورة الجرسون، وربما تسبب له الفصل من عمله.
- علق الباطل على هذا قائلاً: أنا لا أبالي بما يحدث له، ولا بكل العالم، لكنني أكلت وشبعت دون أن أدفع أي نقود، بل وخرجت من المطعم معي مالا ليس ملكي.
- الحق: كيف تقبل هذا؟
- الباطل: أنت ضيق الأفق.
عندئذ صمم الحق أن يترك الباطل، وألا يلتقي معه حتى وإن مات جوعاً.
.................
+ يقول اشعياء النبي "وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْراً وَلِلْخَيْرِ شَرّاً الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُوراً وَالنُّورَ ظَلاَماً الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْواً وَالْحُلْوَ مُرّاً. (أش5: 20)،
ويقول سليمان الحكيم "مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ". (أم17: 15).
حينما يغرق الإنسان في الشر وينشره للآخرين تنقلب الموازين ويخلط بين الخير والشر ويشوه الحقائق ويقلبها فيختل توازنه.
_________________