ماري جبران
1907-1956
معظمنا عندما يتذكر أسماء المطربون القدامى من سوريا يتذكرون أسماء عديدة ونادرا مايخطر على باله المطربة المرحومة ماري جبران ..بنت المرحوم يوسف جبور
كانت ماري جبران في النصف الأوّل من القرن العشرين، مطربة بلاد الشام بلا منازع، صاحبة موهبة كبيرة، أكّدت موقعها في الغناء في زمن الحروب وانحطاط الفنّ، فرفعت من مستواها.
ولدت ماري جبران في بيروت عام 1907، ونتيجة لظروف المجاعة والحرب الأولى هاجرت العائلة من بيروت إلى دمشق، إلاّ أنّ أباها يوسف جبّور، عاجله الموت تاركا أسرته نواجه ظروفا صعبة جدّا، دفعت والدة ماري إلى العيش مع أختها الممثّلة المشهورة حينها ماري جبران (الخالة) في القدس... وهكذا قُدّر للصغيرة ماري ذات العشر سنوات النشوء في وسط فنّي مع فنّانات زمانها، وهناك اكتشفت موهبتها باكرا، فأخذت تغنّي على المسرح وترقص برشاقة وتضرب بالصنوج، وتعلّمت العزف على العود فبرعت فيه. ثمّ عملت ماري مطربة في فرقة الممثّل المصري عليّ الكسّار التي كانت تتجوّل في يافا وحيفا وبعض مدن شرقي الأردن، بعد انتهاء الموسم الفنّي في القاهرة.
ذاع صيت ماري في القدس، وأقبل عليها المعجبون ولُقّبت بـ ماري الصغيرة ، تمييزا لها عن خالتها ماري الكبيرة. مع بدء احترافها للغناء، حملت اسم خالتها، مستفيدة من شهرتها، إلاّ أنّ الأخيرة غارت من النجاح الذي حقّقته ماري الصغيرة، فأساءت معاملة ابنة أختها ودفعتها للعودة إلى دمشق بعد غياب تسع سنوات مكّنت ماري من سلوط طريق الاحتراف.
في دمشق، عملت بملهى البلّور في القصاع عدّة شهور. ثمّ وبسبب الظروف المضطربة في سورية أثناء الانتداب الفرنسي والثورة السورية الكبرى، انتقلت إلى بيروت وعملت في ملهى كوكب الشرق . عندما هدأت الأوضاع عام 1927، عادت إلى دمشق لتعمل في ملهى بسمار . ثمّ غادرت إلى حلب فاشتغلت في ملهى الشهبندر . بعد سنة عادت مرّة أخرى إلى دمشق، للعمل في ملهى بسمار ، وكان يعجّ بالمعجبين بفنّها، وبلغ أجرها الشهري أكثر من خمسين ليرة ذهبية.
في أوائل الثلاثينيات، وفي فترة الاضطرابات التي غمرت القطر العربي السوري ضد الاستعمار الفرنسي، وفدت إلى دمشق الراقصة المشهورة بديعة مصابني التي كانت تملك صالة بديعة الشهيرة في القاهرة، وتسيطر بوسائلها الخاصة على دور اللهو في العاصمة المصرية. وعندما استمعت إلى ماري جبران في سهرة خاصة أذهلها صوتها وأداؤها وجمالها، فقررت أن تأخذها معها إلى مصر، وهناك افتتن الناس بجمالها قبل أن يفتنهم صوتها وغدت بين عشية وضحاها قبلة الأنظار، فأحاط بها المعجبون والفنانون وأطلقوا عليها اسم ماري الجميلة و ماري الفاتنة وما إلى ذلك. وكان شيوخ التلحين من الذين أعجبوا بصوتها السباقين إلى خطب ودها، فتعرفت على محمد القصبجي وداود حسني والشيخ زكريا أحمد، وانفرد الأخيران بالتلحين لها، فحفظت على يدي داود حسني دور الحبيب للهجر مايل ودور أصل الغرام نظرة واهتمت بتدريبات الشيخ زكريا أحمد وتعلمت منه كيف تغني القصائد والأدوار والطقاطيق حتى أبدعت فيما غنت، مثل دور ياما إنت واحشني ودور دع العزول ودور في البعد يا ما كنت أنوح .
وفجأة دب الخلاف بينها وبين بديعة مصابني فتركت مسرحها آملة في العمل بمسارح أخرى، ولكنها لم تستطع في البداية بسبب سيطرة بديعة مصابني القوية على ملاهي القاهرة. ويبدو أن بديعة مصابني اختلفت معها بسبب الأجر، وقيل بسبب رفضها مجالسة رواد الملهى، وقيل أيضاً أن بديعة مصابني اعتقدت بأن ماري جبران التي أدارت العقول بجمالها وسحرها وغنائها، أخذت تزاحمها في أمر لا تحب أن يزاحمها فيه أحد، فأنهت عقدها متعللة بأوهى الأسباب.
ورغم محاربة مصابني الشرسة لها، مكثت ماري في القاهرة تغنّي سبع سنوات ضمن ظروف حياتية وفنّية جيّدة... إلاّ أنّها عندما تركت القاهرة مقرّرة العودة إلى دمشق، لم تُعرف الأسباب الحقيقية لذلك. عملت أواخر الثلاثينيات في مقهى العبّاسية بدمشق بمبلغ مائة وخمسين ليرة ذهبية شهريا.
بلغت قمّة مجدها الفنّي في سورية، وكُرّمت بانتخابها نقيبة للموسيقيين سنة 1950. تحقّق هذا كلّه متأخّرا بعد أن لم يعد هناك طعم للشهرة في حياة لم تصفُ لها، فقد تحمّلت الكثير من وضع والدتها المرضيّ العسير المتقلّب، كما أصيبت ماري بالسرطان، وبقيت تعاني منه إلى آخر يوم في حياتها، وتوفّيت من جرّائه عام 1956.
غنّت ماري جبران لمشاهير الملحّنين المصريين مثل سيّد درويش، وداود حسني، وزكريا أحمد، وأبو العلا محمّد، ومحمّد القصبجي، ورياض السنباطي، ومحمّد عبد الوهاب... ومن السوريين، غنّت لزكي محمّد، ونجيب السراج، ومحمّد محسن، ورياض البندك، وراشد عزو. لم يُسجّل من أعمالها سوى مجموعة من الأدوار والأغاني في إذاعة دمشق.
استهواها الغناء القديم، واختصّت بغناء النوع الذي لا يستطيع غيرها من الفنّانات تأديته كأمّ كلثوم وفتحية أحمد. عُدّت من أكثر المطربات تميّزا لغنائها على أصول الوصلات التي تخصّص فيها الرجال أمثال الشيخ يوسف المنيلاوي، والأفندي عبد الحيّ حلمي، وعبّاس البليدي، وصالح عبد الحيّ. كما غنّت ماري الموشّح والليالي والموّال والدور بشكل سلسلة منتظمة وهو نظام الفصول الغنائي الذي كان سائدا قبل 100 عام.
يصنّف النقّاد صوت ماري جبران بأنّه من الأصوات القوية القادرة المتمكّنة الصادحة، مع اتّصافه بخصائص جمالية عالية، توازي أمّ كلثوم، صوتا وأداء، وفي مرتبتها، ولو امتدّ بها العمر لكان لها شأن آخر. هذا كلّه جعلها تتربّع على عرش مطربتها عصرها، واعتبرت بحقّ سيّدة مطربات بلاد الشام.
غنت ماري جبران من ألحان نجيب السراج أغنيتين ناجحتين هما قصيدة الغريب ومونولوغ يا زمان ومن ألحان محمد محسن، قصيدة زهر الرياض انثنى وطقطوقة حبايبي نسيوني ، وتدين بنجاحها للفنان الكبير جميل عويس الذي قاد فرقتها الموسيقية، وعمل معها في كل المرابع التي عملت بها، وقد لازمها عدداً من السنوات قبل أن يدفعه الحنين من جديد للهجرة إلى مصر.
عانت ماري جبران في حياتها الشيء الكثير من وضع والدتها الصحي، وقد انعكس هذا على علاقاتها العاطفية التي توجتها بالزواج من الرجل الذي تفانى في حبها ـ نقولا الترك ـ، ورزق منها بولد واحد، لم ينعم طويلاً بحنانها وحبها، إذ أصيبت بالسرطان الذي عانت منه الأمرين لتقضي به في العام 1956، فقيرة معدمة مهملة من الناس الذين كانوا يلتفون حولها في أوج مجدها، وكانت جنازتها متواضعة، لم يمش بها سوى بضعة أفراد من الذين أحبوها وعلى الرغم من عطائها الثر، فإن التسجيلات التي تحتفظ بها إذاعة دمشق لعشرات من أغانيها التراثية والمعاصرة، قلما تذاع هذه الأيام
يصنفها النقاد صوتاً وأداء في مرتبة أم كلثوم، ويفضلها بعضهم على أم كلثوم، ولو امتد بها العمر لكان لها شأن آخر
غنت العديد من الأغاني والقصائد منها المفقود ومنها الموجود ومن القصائد التي غنتها
هذه القصيدة نظمها شاعر دمشقي هو عزت الطباع عام 1938 ....
وغنتها المطربة الرائعة ماري جبران بعد كارثة فلسطين
بوجود قادة عرب في دمشق وتعد من أوائل القصائد الوطنية الهادفة
ولاأعلم إن كانت موجودة ضمن أرشيف إذاعة دمشق !!!
هذي دمشق على العهد الذي كانا *** لم تتخذ غير دين العرب إيمانا
طافت عليها كؤوس الدهر صافية *** حيناً ومترعةً بالجور أحيانا
فما طغت وهي في نعمائها بطراً *** ولا وهت تحت وطئ الذل بنيانا
نبت العروبة عرق طاب مغرسه *** وموئل الوحــــــــــي إنجيلاً وقرآنا
تلفتت وهي نشوى في خمائلها *** تــــستقبل العــــرب قواداً وأركانا
يا نازلين على الفيحاء إن لكم *** في كل قلب بـــــها أهلا وأوطانا
غـــناكم بــردى في ظل ربوتها *** نشوان يلمــح فيكم عهد مـــروانا
رســـــل العروبة شد الله أزركم *** ولا نبا منــكم عــزم ولا هــــــــانا
هل تسمعون على القدس الشريف صدى *** يقطع الليل أوجاعاً وأشجانا
ذكرت أندلـــس الخضراء فانهملت ** * مدامعي إذ بدت أطيافها الآنا
.............