تبدأ قصة تل حلف مع البارون الالماني ماكس فون اوبنهايم Max von Oppenheim 1860 -1946
ولد Max von Oppenheim سنة 1860 و هو ينتمي الى عائلة ألمانية غنية و مشهورة لأنها تملك مصرفا كبيرا . احب هذا الشاب الشرق و زار مصر سنة 1883 ثم اصبح سنة 1896 قنصل ألمانيا في مصر.
عندما جاء اوبنهايم الى منطقة القامشلي طلب من المسؤولين انذاك وهم العثمانيون ان يوصلوه الى شيخ معروف بصدقه, فاخبروه باسم الشيخ حمود اليوسف فجاءه اوبنهام وعمل له جواز سفر واخذه معه ليطلعه على المنطقة وليساعده في كتابه والرسالة التي جاء من اجلها. وغاب الشيخ حمود اليوسف 6 اشهر معه وقد ذكر اوبنهايم اسمه وله صورة في احد كتبه
درس اوبنهايم خلال فترة اقامته,الاوضاع الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والسياسية لسكان الصحراء العربية, وقد احب اوبنهايم حياة الصحراء في بساطتها ونقاوتها وكذلك في حريتها وخشونتها
ومن انجازاته العلمية, وضع جداول دقيقة ثبت فيها اسماء العشائر وفروعها بحسب ديارهم ومناطق ترحالهم في الصيف والشتاء,وكذلك عدد خيامهم.كما كتب تاريخ كل عشيرة وتاريخ مشايخها بحسب المناطق الجغرافية التي يتجولون فيها.
وقد جمع المواد المستعملة من اثاث وادوات ولوازم ,مسجلا بدقة الاسماء وما ترمز اليه وتعبر عنه .
كما اقتنى اهم كتب المستشرقين وجميع ما كتب في الصحف والمجلات التي صدرت في الشرق حينذاك مثل جريدة "ام القرى" وغيرها. ووصل مجموع ما جمعه اوبنهايم حول البدو والبداوة الى اربعين الف مجلد , كونت مكتبة عامرة اوقفها باسم "معهد الشرق للدراسات"في برلين
وقبيل رحلته الى وسط الجزيرة العربية,طلب اليه مدير البنك الالماني جورج فون سيمنس ان يترأس بعثة استطلاعية يمولها البنك لوضع مخطط لمشروع بناء خط قطار بغداد – برلين .
وأثناء القيام بمسح المنطقة عام 1899,ارشده احد المشايخ هناك الى موقع تل حلف ,الواقع على مسافة ثلاثة كيلومترات غربي بلدة رأس العين ,في المنطقة الحدودية السورية – التركية الحالية
غير ان التزامه بوظيفته حال دون الشروع في الحفريات والتنقيبات الاثرية, الا بعد مرور عشر سنوات , اذ ترك العمل المريح في السلك الدبلوماسي الالماني , وكذلك ابتعد عن العمل في المصرف العائد لذويه , ليتفرغ للحفريات والتنقيبات اللازمة.
مفضلا عالم الكشف والمغامرة , بعد ان وهب كل ثروته لمؤسسة خيرية انشأها لدعم اعماله والبحث العلمي عامة,وربط اوبنهايم كل حياته بالعمل في موقع واثار وحضارة تل حلف وكان لاهتمام الفرنسيين و الإنكليز الدور في دفع السلطات العثمانية بالضغط علىMax von Oppenheim للبدئ بالتنقيبات الأثرية, فترك سنة 1910 عمله الدبلوماسي, وسافرالى إسطنبول كي يطلب من السلطات العثمانية الاذن باجراء التنقيبات الأثرية .
وحصل عليه في العام 1899 ,بعدها انصرف الى اعداد فريق عمل للقيام بالتنقيبات .
بدأ التنقيب بشكل رسمي في تل حلف سنة 1911/1913 ولكن وقوع الحرب العالمية اوقفت عمليات البحث سنة 1914,
و لكنه عاد مجددا 1927 /1929 لإكمال عمليات التنقيب .حيث تم العثور على اثار فريدة لحضارة وادي تل حلف .
وكان لهذا الحدث دور رئيسي في حياة اوبنهايم,حيث اصبحت تل حلف جزء من حياته لانه اكتشف حضارة عظيمة وغامضة في بعض جوانبها
وتل حلف هو من التلال الاثرية المتميزة في الجزيرة السورية,وثاني موقع جرت فيه تنقيبات حقيقية منذ 1911 بعد موقع كركميش في جرابلس .
هو الا سم الحالي للموقع الذي كان يدعى باسم جوزانا في الالف الاول ق.م.
يقع غرب مدينة رأس العين بمسافة 3 كم ,للتل امتداد طولي من الشرق الى الغرب يقدر بمسافة 500 م , ومن الجنوب الى الشمال,أي امتداد عرضي بمسافة 300 م
يمكن تمييز دورين لتاريخ الاستيطان فيه, ولكنهما غير متتاليان,بل بفاصل اكثر من ثلاثة الاف سنة :
1 – عصر ماقبل التاريخ ,العصر الحجري النحاسي (كالكوليتيك) الالف السدس والالف الخامس ق م
2 – عصر الممالك السورية الشمالية الصغرى الذي ساد فيه الاراميون,اواخر الالف الثاني واوائل الالف الاول ق م
اظهر العمل الأثري في "تل حلف" بأن الموقع قد مرت بالعديد من العصور وهي فترات ما قبل التاريخ وفترة عصر حضارة "تل حلف" حيث عثر على نماذج خاصة من الفخار من حيث اللون ونمط التصنيع والشكل وبكميات كبيرة في هذا الموقع بالإضافة إلى العصر الآرامي وقد أكدت التنقيبات بأن الموقع كان أقدم مركز حضاري مزدهر في المنطقة منذ فترة "تل حلف".
لا يزال التنقيب مستمرا في موقع تل حلف , وان ما سيتم العثور عليه من اثار سيتم عرضه في متحف دير الزور
مصير آثار تل حلف في برلين
لقد تعرض قسم من الاثار للكسر في موقع تل حلف بالذات ,اثناء النزاع التركي الفرنسي في منطقة الخابوروقسم اخر من اللوحات الحجرية تعرض للكسر على ايدي السكان المحليين بسبب استخدامها في بناء البيوت
إن ل Max von Oppenheim فضل كبير لإنشاء متحف حلب و كانت فرنسا الدولة المنتدبة على سوريا قد إشترطت عليه ان يجمع التماثيل التي سيجدها في متحف حلب. و كانت هنالك صالة كبيرة مخصصة لأثارات تل حلف
التماثيل الموجودة في مدخل متحف حلب هي نسخة لتماثيل آرامية استخرجت من تل حلف.
نقل Max von Oppenheim قسما كبيرا من هذه الأثار الى ألمانيا و قد جمعها في متحف خاص و قد نالت شهرة كبيرة في بداية الثلاثينات .
ان هذا الكنز الاثري الذي كان قد اكتشف قبل 100 عام في صحراء سورية,قد تحطم ابان الحرب العالمية الثانية,
لقد دمر متحف برلين في تشرين الثاني 1943, ورغم ان حجارة التماثيل قد نجت من اللهب,الا انها تحولت الى اكثر من 27 الف قطعة
طلب Max von Oppenheim سنة 1944 من المسؤولين عن المتحف ان تجمع بقايا تلك التماثيل الآرامية المهمة و تحفظ في مكان أمين عله في المستقبل تجمع من جديد . ...
وقد تم جمعها وحفظها في قبو متحف بيرغام, الذي صار بعد تقسيم المدينة, ضمن برلين الشرقية ,ونسي امره,مدة خمسين عاما, بينما كانت المؤسسة المالكة في برلين الغربية
و قد ظلت تلك القطع المكسرة محفوظة و مخفية حوالي 60 سنة .
.وفقط بعد سقوط جدار برلين عام 1989 قام محافظوا المتحف بمساعدة مؤسسة اوبنهايم ببعث هذا الكنز الكبير .
وعمد بعض علماء الآثار الى اعادة تجميع و تلصيق الحجارة المهشمة لتكون من جديد تلك التماثيل التي عمرها حوالي 3000 سنة .
و قد ساهم احفاد العالم Max von Oppenheim في دفع كمية كبيرة من المال لإنجاح المشروع و ربما لتحقيق امنية Max von Oppenheim
تم ترميم تمثال لاسد من 900 قطعة , وعن هذا العمل قال احد محافظي المتحف السيد لوتز مارتن : ان هذا العمل الترميمي ,لم يكن بالنسبة لنا بعمل شاق او مزعج, بل على العكس , فان العمل الذي يطلب جهدا هو مايرغب به علماء الاثار ”
ستعود هذه القطع الى المجموعة الدائمة في متحف بيرغام, الذي سيتم تطويره في الاعوام القادمة , بعد ان اهمل مدة 50 عاما خلف جدار برلين .
وحتى ذلك الوقت فان كنز تل حلف سيعرض في الدول الاجنبية مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا
اففتتح هذا العام في برلين " معرض الالهة الناجية من قصر تل حلف"ويضم حوالي 60 تمثالا ومنحوتة تعود للحضارة الارامية .
لقد كانت حياة هذا المستشرق العالم الباحث مسيرة حب وعمل ,
سحره الشرق فعشقه ارضا وشعبا وتاريخا,ولهذا اوصى ان ينقش على قبره النص التالي :
"هنا يرقد بحماية الرب رجل احب العلم والشرق والبادية وتل حلف "
http://en.wikipedia.org/wiki/Tell_Halafhttp://www.postandcourier.com/news/2011/feb/13/syrian-statues-resurrected/