في كواليس صناعة الأغنية أسرار كثيرة لا يعرفها سوى صناعها، فهناك أغاني كانت بكلام مختلف عما ظهرت عليه،
وهناك اغاني بألحان وتوزيعات مختلفة عما ظهرت عليه، وهناك أغاني أداها اكثر من مطرب،
وأغاني سُرقت وأغاني صنعها آخرين غير المعلن عنهم والكثير والكثير من أسرار ما وراء الكواليس،
ولكن حكاية أغنية (خلي للحزن نهاية) تبقى الأكثر غرابة وغموض.
الأغنية صاغها الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي بحرفية شديدة، ليُعجب بها بشدة الموسيقار الكبير كمال الطويل
ويقرر تلحينها على الفور، لتصبح الأغنية جاهزة لاختيار الصوت المناسب لتأديتها.
أول من وقع عليه الاختيار كان الفنان الكبير الراحل العندليب عبدالحليم حافظ، وبدأ التحضير لغنائها بالفعل،
ولكن وقع خلاف بين عبدالحليم والطويل أرجع الطويل سببه لكثرة تدخلات حليم في ألحان الطويل، والذي على إثره قرر الطويل
عدم التعامل مع عبدالحليم في أغاني عاطفية أخرى بعد (بلاش عتاب) والإكتفاء بتعاملهما في أغاني وطنية فحسب،
وبالتالي لم تكن أغنية (خلي للحزن نهاية) من نصيب حليم.
ثم ذهبت الأغنية بعد ذلك للفنانة الكبيرة نجاة، وفي عام 1976 أعلنت عن إستعدادها لتقديم أغنيتها الجديدة (خلي للحزن نهاية)
في حفل بالأسكندرية يوم 18 أغسطس، ولكن قبل الطرح التجاري للأغنية حدث خلاف بين الطويل ونجاة،
مما جعله يرفض غنائها للأغنية ويسحبها منها، وهو ليس الخلاف الأول بينهما، وليس الأول بين الطويل والكثير من زملاءه،
فهو كان معروفاً بأنه دقيق جداً ولا يقبل تعليمات من أحد ويرفض أي محاولات للتعديل او الإضافه لألحانه
ويرفض أي تصرف في أعماله دون الرجوع إليه.
وبعد سحب الأغنية من نجاة حدثت مفاوضات مع جارة القمر الفنانة الكبيرة فيروز تحت إشراف زوجها عاصي الرحباني،
ودخلت الأغنية في طور التنفيذ بالفعل، ولو كانت ظهرت الأغنية فعلاً لأحدثت نقلة في تواريخ صُناعها بما فيهم فيروز
التي كانت لا تخرج عن دائرة الرحبانية في تعاملاتها إلا نادراً جداً، ففي بداية مشوارها تعاملت مع كارم محمود وفتحي قورة
ومرسي جميل عزيز في عدة أغاني، وبعد سنوات مع عبدالوهاب في أغاني اخرى، ثم مع رياض السنباطي في ثلاثة أغاني
هم (بيني وبينك خمرة وأغاني) و (أمشي إليك) من أشعار جوزيف حرب و(آه لو تدري بحالي) من أشعار عبدالوهاب محمد،
ولكن كل هذه الأعمال لم ترى النور مثلما لم ترى (خلي للحزن نهاية) النور بصوت فيروز بسبب وفاة زوجها
عاصي الرحباني عام 1986،
لتتوقف المفاوضات حول الأغنية وتأبى ان تظهر بصوت فيروز الساحر للأسف.
لتؤول الأغنية بعد ذلك للفنان الكبير أمير الغناء العربي هاني شاكر، وكان هاني بالفعل قد غنى وقتها أغنية (فلسطين) للأبنودي والطويل
وحققت نجاحاً كبيراً، حتى انها مُنعت لفترة من الإذاعة والعرض على المحطات المصرية لما تسببت فيه من شحن للناس
في شتى انحاء الوطن العربي، فشجعهم ذلك ان يكون هاني شاكر هو المحطة الأخيرة لهذه الأغنية وتُصدر بصوته،
وبالفعل بدأوا تنفيذ الأغنية التي توقعوا لها ان تحدث صدى كبير جداً ونقلة في مشوار وتاريخ هاني شاكر، ولكن سحبها كمال الطويل
منه في النهاية عقاباً له، فكان هاني في إحدى حفلات انتصارات أكتوبر يغني أغنية (بالأحضان) لعبدالحليم ومن الحان الطويل، فتناسباً
مع المناسبة إستبدل هاني إحدى مفردات الأغنية ليقول (في صلاة العيد .. عيد أكتوبر وأناجيك) بدلاً من (عيد الثورة وأناجيك)،
فغضب كمال الطويل كثيراً واعتبر ان هاني تعدى على أغنية من أغانيه وعاقبه بعدم غناء (خلي للحزن نهاية).
لتعود الأغنية مرة ثالثة الى أدراج كمال الطويل طويلاً منتظرةً محطتها القادمة، والتي بالفعل كادت أن تكون هي سميرة سعيد
بعد أن سمع الطويل مقطع منها بصوتها حينما كانت في زيارة عمل لأبنة زياد، وأعجب جداً بصوتها وبآدائها للأغنية،
ولكن لم تقدمها سميره أيضاً لأسباب مجهولة، وربما مُتوقَعَة.
أما محطتها الأخيرة فكانت غادة رجب، وبالفعل يقرر الطويل تقديمها لغادة رجب بعدما أعجب بصوتها وأمكانياتها جداً
وقرر ان تكون هي صاحبة الأغنية، ولكن يبدو أن الأغنية نفسها غضبت وشعرت بالأهانة لانتقالها من يد لأخرى دون جدوى،
فثأراً لكرامتها وضعت هي لنفسها النهاية بموت كمال الطويل نفسه قبل ان تغنيها غادة، ليُصبح مصير الأغنية العنيدة مجهولاً
في يد زياد الطويل ابن كمال الطويل، فهل تكون لأغنية (خلي للحزن نهاية) نهاية قريبة؟ نتمنى ذلك لنستمتع بهذه الأغنية
وهذا اللحن الذي تنقل عبر كل الأجيال كاسراً كل قواعد الفيزياء والطبيعة، ويستمر في رحلته المجهولة إلى وقت مجهول.
وتقول كلمات الأغنية:
ولا كل من ضحكت عينيه عاشق .. ولا كل من مد الإيدين مشتاق
ولا كل من قال الكلام صادق .. ولا كل من يبكى من العشاق
حبيبى ياللى لا قبلك ولا بعدك حبايب
وانت غايب كل شى فى الدنيا غايب
بلاش عذاب وإسمعنى .. بلاش تضيعنى
ده انا لما حبيتك .. الحزن ودعنى
وكل ما بمشى صوتك بيتبعنى
وكفاية كفاية كفاية .. خلي للحزن نهاية