تتأرجح أهميّة العلاقات التي يتطلّع اليها الإنسان في حياته باختلاف نظرته الى مفهوم الحياة عموماً. وفيما يبدي البعض أهميّة خاصّة لمصادفة أصدقاء أوفياء،
يرى آخرون أن مقابلة نصفهم الآخر هو ما يؤمّن لهم منطق السعادة، ويحمل لهم معه الحافز الأساسي للاستمراريّة.
واقعيًّا، أكثر من مجرّد عاملٍ واحد يضطلع بدور في الحكم بين المفهومين. فما الذي يجلب السعادة الحقيقيّة والدائمة للإنسان؟ حبّ حقيقي أم صداقة حقيقيّة؟
- شخصٌ واحد لا يستطيع تأمين سعادة مطلقة:
يعتبر الحبّ شعورًا حسّاسًا تحكمه عوامل عدّة منها التقلّبات التي تحوك المشاعر القلبيّة وروتين الحياة اليوميّة وطريقة تعامل الطرف الآخر
مع شريكه وإمكان تحدّيهما للمعوّقات التي تواجههما في الحياة بحزمٍ وإرادة. وفي حال لم يستطع الشريكان مواجهة جميع هذه التحديات،
فإن ذلك يعني صراحةً أن الحبّ بمفرده لا يؤمّن السعادة الدئمة للإنسان، بل يمكن له أن يمنح سعادة استثنائيّة الطابع. في حين أن اعتبارات
الصداقة قد لا تتأثّر في هذه الظروف المغايرة لأن العلاقة بين الأصدقاء في هذا الشأن تؤدّي الى حلّ المشكلات المستجدّة هذه بدلًا من تعقيدها.
- الصديق الحقيقيّ تعويضٌ عن حبٍّ خائب:
لطالما اعتبرت الصداقة العلاج الأوّل للخيبات العاطفيّة. وإذا ما انتهت العلاقة بين الثنائيّ بطريقة دراماتيكيّة، فإن وجود الأصدقاء هو العزاء
الوحيد عوضًا من الوقوع في ضياعٍ تام سببه الانفصال. في هذه المعادلة تسليمٌ صريح في أن الصداقة أكثر أهميّة من الحبّ،
لأنها تستطيع احتواء ارتدادات العلاقة العاطفيّة فيما العكس لا يصحّ، لأن الحبّ لا يشفي آثار صداقة خائبة.
- الصديق الحقيقيّ يبقى والحبيب الحقيقيّ يغيب:
من أكثر الحقائق الموجعة التي ترتبط بمفهوم الحبّ، هو إمكان الافتراق عن الحبيب في أيّ لحظة، على رغم كون ذلك الحبّ حقيقيّاً.
الّا أن وجود الصديق الحقيقي لا يغيب مهما فرّقت العوامل الزمانيّة والمكانية بين الطرفين. وفي حين أن الخلاف بين صديقين حقيقيين
لا بدّ له أن يلتحم بسهولة، فتعود المياه الى مجاريها بين الطرفين، بيد أن جرح الحبّ تبقى ندوبه مهما طوى الزمن أيّامًا وسنوات.
- قصص الحبّ السعيدة ارتبطت بالأساطير:
ليس من المبالغ فيه حين نتكلّم عن قصص الحبّ المستطردة التي لطالما اشتهرت في الأفلام والمسلسلات، أن نقول إنها كلّها كانت من صنع مخيّلة الإنسان،
أو على شاكلة أساطير جميلة يتناقلها الجميع بشغف. هذا لا ينقض فكرة أن الحبّ الحقيقي موجود وتجارب العلاقات العاطفية السعيدة لها مكانها بين البشر،
لكنها لم تكن يومًا كما صوّرت مهما بحث الإنسان عن فحوى علاقاتٍ مثاليّة. أمّا الصداقة، وعلى رغم اتخاذ المصالح الماديّة حيّزًا واسعًا
في التواصل الاجتماعي بين الناس، الّا أنها لا تزال موجودة بصدق، ويمكن التعويل عليها لتأمين السعادة الحقيقيّة والاستمراريّة الجميلة
مع إمكان مواجهة الصعوبات التي تواجه الإنسان في حياته.