بيان اجتماع أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الشَّرقيّة
المقدّمة :
بدعوة أخويَّة من صاحب الغبطة والنِّيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للموارنة،
اجتمع أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الشَّرقيَّة في الصَّرح البطريركيِّ في الدِّيمان، في السابع من شهر آب 2014، وهم:
- الكاثوليكوس آرام الأول كشيشيان، كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس.
- البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الكاثوليك.
- البطريرك يوحنا العاشر اليازجي، بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق للروم الارثوذكس.
- البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الإنطاكي.
- البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكيه وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.
- البطريرك نرسيس بدروس التاسع عشر، كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك.
- وممثّل البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك بابل على الكلدان.
- المطران شليمون وردوني المعاون البطريركي.
لقد هالَهُم ما يَجرِي في المنطقة من أحداث خطيرة لا سابق لها، ومن صراعاتٍ وحروبٍ بين الأخوة في العراق وسوريا،
ومن تنامٍ للتطرّف الديني الذي يستهدف النسيج المجتمعي ووحدته في بلداننا، ومن بروز تنظيمات أصولية تكفيرية تهدم وتقتل
وتهجّر وتنتهك حرمة الكنائس وتحرق تراثها والمخطوطات، ومن دخول العديد من المرتزقة إلى جانب المعتدين على المواطنين وحرماتهم.
وقد آلمتهم مآسي الإخوة الفلسطينيين في غزّه من جرّاء القصف الإسرائيلي العشوائي الخالي من كلّ مشاعر إنسانية
والذي استهدف الأبرياء خروجًا على كل الأسس القانونية. وتألّموا في العمق لأحداث عرسال وجرودها في لبنان،
التي قامت فيها مجموعات إرهابية دخيلة بالاعتداء على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، فأوقعت عدداً من الشهداء
في صفوف الجيش وأسرت بعضاً من جنوده ومن عناصر قوى الأمن، وحاصرت أهل البلدة واتّخذت منهم دروعًا بشريّة
وتسببت بتهجيرهم من بيوتهم.
وبعد أن قَيَّمُوا هذه الأحداث الرَّهيبة من كلِّ جوانبِها والأخطار المُحدِقَة بأبناءِ المنطقة من دون استثناءٍ والنَّاجِمَة عن صراعاتٍ أُلبست
حلّةً طائفيَّة ومذهبيَّة قلَّ مثيلها في التاريخ، واستعرضوا انعكاس هذه الصِّراعات على شعوب المنطقة وبمن فيهم أبناؤهم المسيحيِّون
الَّذين يعيشون وسط هذه الاضطرابات وهم يؤمنون بدور الدولة في حِماية أشخاصِهِم وممتلكاتِهِم، فوصل الأمر إلى حدِّ إقصائهم
عن أرض الآباء والأجداد قهرًا وظلمًا ومن دون أيِّ مُبرِّرٍ، أصدروا في ختام اجتماعهم البيانَ التَّالي:
أولاً، طرد مسيحيّي الموصل وسهل نينوى :
1- إنَّ طرد كلّ المسيحيِّين من مدينة المُوصِل والآن ومن كلّ البلدات في سهل نينوى ليس مُجرَّد حادث طارئ يُدَوَّن في مجريات الحروب
والنِّزاعات، وليس نُزُوحًا طوعيًّا ناجِمًا عن خوفٍ أو عن سَعيٍ لإيجادِ أماكن آمنة مؤقّتة هربًا من الموت، بلْ هُو ناجِمٌ عن قرارٍ اتّخذه
بحقِّهِم تنظيم "داعش" وفصائل جهادية أخرى، أرغمهم على الرَّحيلِ عن دِيارِهِم وذلك فقط بسبب إنتمائهم الديني وتمسكهم به،
خلافًا لما نصّت عليه الشرائع الدولية. إنَّ اللُّجُوءَ إلى هذا القرارِ الظَّالِمِ الَّذي اتَّخذهُ أصحابُهُ باسم الإسلام، يُشكِّلُ نكسةً تُصيبُ المنطقةَ العربيَّةَ
والإسلاميَّةَ في عيش أبنائها بعضهم مع بعض. وبعد طردهم جرّدوهم من كلّ شيء. إنَّهُ عملٌ مُشِينٌ يَندرجُ في سياقِ التَّميِيزِ العُنصريِّ
الَّذي تَرفضُهُ الشُّعوبُ ويَشجِبُهُ المجتمعُ الدُّوَليُّ شجبًا كلِّيًّا.
2- حِيالَ هذه النَّكسةِ الخطيرةِ، الَّتي تُقوِّض مكتسباتٍ دينيَّةً وحضاريَّةً وإنسانيَّةً نبيلةً، شكّلت على مدى السنين تراثاً كريماً من العيشِ
المشترك بين المسيحيِّين والمسلمين، نُعرِبُ عن الإدانة والرفض الشديد لِطرد أبنائنا المسيحيين من مدينة المُوصِل العزيزة،
ومن بلدات وقرى سهل نينوى التي غدت من عناوين التَّعايُشِ الإسلاميِّ والمسيحيِّ الكريم، أسوةً بغيرها من المُدُنِ العربيَّةِ العريقة.
وإنَّنا نَدقُّ ناقوسَ الخطرِ مطالبين بأن يكونَ هذا الشَّجبُ عامًّا، بحيث يأتي من جميع المُسلمينَ شركائِنا في المصير
ويُؤدِّي إلى اتِّخاذِ مُبادراتٍ من شأنِها تَصحيح هذا المسار المُنحَرِف الَّذي خرج عن قواعد العيشِ السَّويِّ الَّذي أمرَ به وأَوصَى باتِّباعِهِ.
ومن المؤسف أن يبقى الموقف الإسلامي والعربي والدولي ضعيفاً وخجولاً وغير كافٍ، لا يعكس خطورة هذه الظاهرة وتداعياتها
على التنوّع الديموغرافي التاريخي لشعوب المنطقة. وممّا زاد الأمرَ خطورةً تشجيعُ بعض الدول الأوروبية على هجرة المسيحيّين
من أرضهم تحت شعار حمايتهم من القتل والإرهاب، الأمر الذي نستنكره ونشجبه ونرفضه متمسّكين بتأدية رسالتنا في هذا الشرق العزيز.
فالمطلوب من الأسرة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي أن تتخذ قرارًا حاسمًا يلزم بإعادة أصحاب الأرض إلى أرضهم،
وذلك بكلّ الوسائل الممكنة وبأسرع وقت ممكن. لسنا طلاب حماية من أحد، بل نحن أصحاب حق، ونعتبر أن من واجب الهيئات
الدوليّة أن تحافظ على مصداقيتها وتمنع كل تغيير ديمغرافيّ يمكن أن يحصل هكذا بالقوّة ولغيرهم من الديانات الأخرى.