شعراء سوريون في المهجر
زكـــــــي قنصــــــــل
1916 ـ 1994
المهندس جورج فارس رباحية
وُلِدً زكي قنصل في الأرجنتين عام 1916 من أبوين سوريين من مدينة يبرود في محافظة ريف دمشق ، وفي عام 1923 عاد إلى يبرود مع أهله وتلقّى مبادئ القراءة والكتابة في بيروت مدة ست سنوات سافر بعدها إلى البرازيل مع أهله عام 1929 ثم انتقلوا جميعاً مع أخيه الياس الذي سبقهم إليها بنفس العام إلى بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين .
حمل زكي ( الكشّة ) فور وصوله وانطلق يجول الشوارع والأسواق ليبيع قطع القماش التي يحملها على كتفه ، وكان يحمل معه كتاباً يعكف على مطالعته أثناء استراحته . فدرس اللغة العربية والإسبانية على نفسه حتى أتقنهما وأصبح بمقدوره نظْمَ الشِعر فيهما ، فترك تجارة الكشّة وانضمّ عام 1935 إلى أسرة تحرير ( الجريدة السورية اللبنانية ) التي كان يُصدرها موسى يوسف عزيزة وكان شقيقه الياس رئيساً لتحريرها . في عام 1939 ترك العمل في الجريدة بسبب خلافه الفكري مع صاحبها وأسّس مع شقيقه الياس محلاً تجارياً صغيراً في إحدى ضواحي العاصمة بوينس آيرس ، لكنه لم ينجح في أعمال التجارة حيث اهتمامه كان منصبّاً على الشِعر والأدب ، فعمل أخيراً موظّفاً في السفارة السورية بالأرجنتين حتى وفاته .
في عام 1950 تزوّج من فتاة سورية اسمها ( وردة ) ورُزِقَ منها طفلة أسماها ( سعاد ) لكنها توفّيت في الشهر الثامن من عمرها . فرثاها بديوان صغير الحجم أسماه ( سعاد ) صدر عام 1953 ، ولاقى هذا الديوان شهرة واسعة نظراً للعواطف الجيّاشة التي أضافها على القصيدة الطويلة التي احتلّته بالكامل ، ثم رُزِقَ بعدها طفلاً واحداً أسماه ( عمر ) تعبيراً عن حبّه وتقديره لصديقه الشاعر عمر أبو ريشة ( 1910 ـ 1990 ) .
بالرغم من غربة الشاعر زكي قنصل التي امتدّت خمسة وستين عاماً فقد بقي متعلّقاً بوطنه ، يحنّ إليه ويتذكّر فيه طفولته وصباه حتى أتيح له أن يزوره أربع مرّات في أعوام : 1968 و 1984 و 1986 و 1992 حيث قوبل في هذه الزيارات بكل حفاوة وتكريم على الصعيدين الرسمي والأدبي ، فأقيمت له أمسيات شعرية في يبرود وفي عدد من المحافظات السورية كما احتفت به الصحافة السورية وأجرت معه لقاءات شرح فيها نظرته إلى الشِعر ، وموقفه الثابت من الشعر الحديث الذي كان حرباًً عليه .
في عام 1986 خلال زيارته للوطن أشرف على طبع المجلّد الأول من أعماله الشعرية الكاملة في منشورات وزارة الثقافة ، لكن المشروع توقّف عند هذا المجلّد إلى أن تبرّع الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة بطبع أعماله الكاملة على نفقته في ( جدّة ) في ثلاثة مجلّدات فاخرة سنة 1995 .
توفي شاعرنا ببوينس آيرس في الرابع عشر من شهر تموز عام 1994 إثْرَ انفجار في الدماغ ، وبوفاته انطفأت آخر شمعة في سماء المهجر الجنوبي وفقدته ( الرابطة الأدبية ) التي تأسّست سنة 1949 في منزل الشاعر جورج صيدح وكانت تضم الياس وزكي قنصل وعبد اللطيف اليونس وجواد نادر وسيف الدين الرحّال وجبران مسوح وملاتيوس خوري وغيرهم والتي لم تدم سوى سنتين حيث عاد بعدها صيدح إلى وطنه فانحلّت الرابطة وبدأ أجل الأدب العربي يغيب في الأرجنتين .
حصل زكي قنصل على جائزة ابن خلدون للشعر في اسبانيا عام 1989 وعلى جائزة جبران خليل جبران العالمية في استراليا عام 1991 وعلى جائزة مجلة الثقافة الدمشقية من سوريا وعلى جائزة إذاعة ( BBC ) العربية بلندن . كما أن المجلات والصحف السعودية مثل ( مجلة الفيصل ـ مجلة المنهل ـ المجلة العربية ـ جريدة المسائية ـ جريدة الرياض ) نشرت له معظم قصائده وأجرت معه لقاءات وحوارات عندما زار السعودية بدعوة من وزارة الإعلام عام 1992 .
كان زكي قنصل شاعر العروبة والوطنية والقومية في المهجر الجنوبي ، فقد غنّى أمجاد الأمة العربية وتغنّى بمفاخرها ، وعبّر عن مشاعره نحوها بصدق وإيمان وعفوية ، له القدرة الفائقة على تطويع اللغة واللعب بالقوافي . كان غيوراً على لغة الضاد ، حريصاً على إحيائها في المهجر ، تميّز شعره بصفاء النبرة ، وجزالة الألفاظ ، وعزوبة الجرس ، والعاطفة الصادقة ، والخيال المرهف الشفّاف .
أعمـــاله :
1 ـ ديوان شظــايا 1939
2 ـ مسرحية نثرية : الثورة السورية 1939
3 ـ ديوان سعــاد 1953
4 ـ مسرحية نثرية : تحت سماء الأندلس 1965
5 ـ ديوان نـور و نـار 1970
6 ـ ديوان عطش وجوع 1974
7 ـ ديوان ألوان وألحان 1978
8 ـ ديوان هــواجس 1981
9 ـ ديوان في متاهات الطريق 1984
10 ـ ديوان سداسية الوطن المحتلّ
11 ـ ديوان أشــواك ( خُماسيّات من الهجر ويضم 215 خماسية )
12 ـ ديوان شعري أنـا
13 ـ ديوان شـذى جروحي
14 ـ ديوان زكي قنصل الجزء الأول 1986 دمشق ـ وزارة الثقافة .
15 ـ الأعمال الشعرية الكاملة لزكي قنصل ( 3 مجلدات في 1600 صفحة ) 1995: الناشر
عبد المقصود خوجة ـ جدة ـ المملكة العربية السعودية .
مقتطفـــات من أعمــاله :
1 ـ قال في قصيدة : من قبر تاريخي طفل الحجارة يُخاطب الغاصب المحتل :
أطلق رصاصك ... لا أخاف النـارا إني أردّ لك الرصــاص حجارا
صدري على الغضب الرهيب طويته وعلى الندى ... فعليك أن تختارا
هذا التّــراب أدوســه وأبوسـه لن يستحيــل لغاصبيه وِجـارا
بحجــارتي ، لا بالمـدافع والقنـا سأزود عن عرضي وأمحو العارا
بحجارتي ســأذبّ عن حــرّيتي وأردّ عن حرماتــها الأظفـارا
بحجارتي سأحيل عُرسـك مأتمــاً وأرُمّ من آمــالنا مـا انهــارا
بحجارتي سـأخطّ قصّــة مولدي كي لا تُـزَوِّرَ عني الأخبــارا
لا لاحتـلالك ، لا لسلطتــك التي تتجاهـــل الأعمار والأقـدارا
اليــوم قد أردى ، وقد أردى غدا لكننـي سأخــلف الأحــرارا
بالعزم أبني ـ والرجا ـ مستقبلي وبصحة الإيمـان أحمــي الدارا
2 ـ قال في قصيــدة : أرض الرسالة عندما حلّ ضيفاً على المملكة العربيــة
السعودية بدعوة من وزارة الإعلام سنة 1992 :
الحمد لله استجــاب لمطـــلبي فعقلت في أرض الرسالة مركبي
جاء البــريد مضمـخاً بولائكـم فنعمت منه بالأريـج الأطيــب
ما كنت أحـلم أن سأبلغ عندكــم شأوا يعز على النسور الجــوب
طالت مراحل غربتي يــا رب لا تجعل ضريحي في تراب أجنبـي
أني اغتسلت من الذنــوب فلفّني بجميل عفوك وأرض عن متقرب
لم يبــق لي ناب أذود به العـدا أو مخلب ، فلقد تقطّع مخلبــي
سبعون من عمري مضت في حرقة أوليس لي من مخرج أو مهـرب
إني أحب النــاس دون تفـاوت لكـن أقـربهم إلى قلبـي أبـي
مهما يك لبـلد الغـريب محبّبـا فالشـرق غير الغـرب للمتغرّب
لولا فـراخ يفرحـــون لعودتي وابن أكـاد أقـول غيـر مهذب
أخفي تبـاريحي كرامــة عينهم وأضـل غصّـات الفؤاد المتعب
لأنخت في بلــد السعود مطيّتي وحلفـت أني لن أعـود لمكتبـي
ولقلــت للأيام لســت بخائف ما تضمرين فسالمي أو فاغضبـي
أنا من قلوب عشيرتي في مأمـن من كان في كنف الشَرَى لم يطلب
الآن ألقى وجــه ربّي راضيـاً فرحاً ، وأنسى كل ضيم حلّ بـي
3 ـ وقال في قصيدة : لولا الجمــال
قالو تُحب الشّقرَ ؟ قلت واشتـهي لو متّ في حضن الجمال الأشقرِ
والسّمرَ ؟ قلت وكيف لا يُغرينني وقصائدي من وحي خدٍّ أسـمرِ
والحمر ؟ قلت وهبتهنّ حشـاشتي روحي فدى الورد الندي الأحمرِ
والصّفر ؟ قلت قلائــد ذهبيـة تزهو على صدر الأصيل الأصفرِ
والسّود ؟ قلت وكيف أنزعهنّ من قلبي وهنّ حلاوة العيش الطّـري
لا لـون إلاّ فيه حسْـن ظاهـر للعين ، متصل بحســنٍ مضمرِ
سبحان من خلق الخمائل متعـة للناظرين على اختــلاف الأشهرِ
لولا الجمــال لما ترنّم شاعـر يا قلب سـبّح للجمـال وكَبِّـــرِ
4 ـ وقال يرثي ابنته سعاد :
طويتُ بساط الشّراب وودّعت عهد الشّـباب
فلا يُغرينّي رجــاء ولا يخدعنّي ثـــواب
كتاب الحياة فصـول وهذا ختام الكتـــاب
أأضحك بعـد سعـاد ويروي غليلي سحـاب؟
كفـرتُ إذاً بثـراها وأرخصت أغلى شراب
ثم يعود إلى رشده فيقول :
إن الذي أعطي استردّ عطاءه يا ليته استأنى فما أعطاني
ما أبخل الساقي تغصّ بكأسه وتعود منه بحرقة الظمآن
5 ـ وقال يوصي ولده عمر :
يا ابني طريق المجد محفوف الجوانب بالخطر
فحذار أن ينهاك عن غمراته ناهي الحــذر
إن القناعة في الرجال لمن علامات الخــور
ما أنت من لحمي ومن روحي إذا خفت القدر
6 ـ ومن حسناته في الغـزَل قوله :
حديثك أم رقرقات النـدى تهادت على قلبيَ الظامئ
وصوتك أم دندنات النسيم على وجنة الجدول الهانئ
سأنساك لولا اختنـاقة آه ورفّة حفن على الشـاطئ
ولولا اختلاجـة حلم نديّ على برعمَيْ صدرك الناتئ
7 ـ وفي الخماسية السابعة والعشرين من ديوان ( أشواك ) تمنّى فيها أن تكون وفاته على
ثرى وطنه فقال :
وطني وما وطني سوى أهزوجةٍ يحْدو بها الحادي ويشدو الشّادي
أغْليْتُ ألاّ عند ذكرك مدمــعي وحسبتُ إلاّ عن هواكَ فـؤادي
روحي وما ملكتْ يدايَ بغَفــوةٍ شِعريةٍ في ظـلِّ أكــرم زادِ
ماتتْ على شفتي أنغامُ الصبـا وكبا بمضمار الرّجاء جــوادي
لمْ يبق من أمسي ومن أحلامـهِ بالعَـوْدِ إلاّ أن تكونَ وســادي
لكنّ رغبته لم يُقدّر الله لها أن تتحقّق .
1/6/2011 المهندس جورج فارس رباحية
المــراجع والمصــادر :
ـ أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية : جورج صيدح ، بيروت 1957
ـ أدب المهجر : عيسى الناعوري ، القاهرة 1977
ـ وجوه مضيئة في الأدب العربي الحديث : عيسى فتوح ، دمشق 2003
ـ مواقع على الإنترنت :