أعتاد أحد المؤمنين المواظبة على القدّاس الإلهيّ بانتظام، إلى أن أتى وقت لم يعد يذهب إلى الكنيسة، فقرّر الكاهن زيارته.
كان مساءً بارداً جدّاً. فوجد الكاهن ذلك الرجل وحيداً في البيت، جالساً أمام نار المدفأة الحطبيّة. عرف الرجل سبب زيارة الكاهن،
فرحّب به أيّما ترحيب، وقاده إلى أريكة مريحة قبالة المدفأة... وانتظر.
تصرّف الكاهن كأنّه في بيته لكنّه لزم الصامت. وفي صمته كان يتأمّل في تراقص ألسنة اللهب حول الحطب المشتعل،
مصلّياً إلى الربّ لينيره فيعرف ما يقول. وبعد دقائق أخذ الكاهن الملقط، وبدأ يبعد ألسنة اللهب عن بعضها، ويفرِّق الحطبات المشتعلة
واضعاً كلاً منها على حدة وحدها بعيدة عن مركز المدفأة، وعاد إلى كرسيّه، وبقي صامتاً.
وكان الرجل يلاحظ ما يفعله الكاهن بصمت. بعد قليل بدأت شرارات اللهب تضعف حتّى خمدت، فبدت الحطبات تتوهّج لعدّة دقائق،
ومن ثمّ غابت النار تماماً حتّى انطفأت كلّياً. للحال عاد البرد وشعور الموت.
لم ينطق الكاهن بكلمة واحدة. نظر الكاهن إلى ساعته وتهيّأ للمغادرة. وقف ببطءٍ، وبدأ يكوِّم الحطبات المنطفئة في وسط الموقد ثانيةً.
للحال بدأت تتوهّج من جديد، وعاد النور والدفء إليها ومنها ثانيةً.
وعندما وصل الكاهن إلى باب البيت، قال له الرجل وهو يبكي ويقبِّل خدّه: "شكراً لك على هذه الزيارة يا أبتِ.
أشكرك بشكلٍ خاصٍّ على هذه العظة الناريّة. سوف أعود إلى الكنيسة صباح الأحد المقبل."
نعيش في عالم يحاول أن يتكلّم كثيراً ليقول قليلاً. ولذلك قليلون هم الذين يصغون. وأحياناً تكون العظة الأفضل هي التي بدون كلام.