عميدة الصحافة الأميركية هيلين توماس تنهي حياة زاخرة بالعطاءديترويت - ناتاشا دادو
السبت, 07.27.2013, 10:04pm
بهدوء وسلام أغلقت الاعلامية الأسطورة اللبنانية الأصل، هيلين توماس عينيها الى الأبد في العشرين من تموز (يوليو) الحالي داخل شقتها السكنية التي لا تبعد كثيرا عن البيت الابيض في واشنطن العاصمة والذي شهد صوتها وجولاتها الصحافية كمراسلة في مركز صنع القرارات العالمية، لوكالة «يونايتدبرس انترناشونال» ولاحقاً لسلسلة صحف «هيرست».
وهكذا انتهت مسيرة طويلة وحياة مديدة زاخرة بالعطاء ناضلت خلالها هيلين بالكلمة وختمتها بسلاح الموقف حول عدالة القضية الفلسطينية بجرأة نادرة عندما دعت المحتلين اليهود الى العودة الى بلدانهم في بولندا والمانيا وغيرها، وإنهاء احتلالهم واضطهادهم لأبناء فلسطين الأصليين.
لقد كانت هيلين رائدة من رواد العمل الصحفي منذ أن بدأت مهنة «البحث عن المتاعب» في الأربعينيات كفتاة شابة إخترقت عالم الاعلام الذي كان يقتصر على الرجال فقط فتخطت القيود الإدارية والمهنية التي كانت تقف في وجه المساواة في الوظيفة مع الذكور، كما ذكر بيان صادر عن عائلة هيلين إثر إعلان وفاتها.
وأضاف بيان العائلة «إن هيلين وصلت الى ذروة مهنتها ومهّدت الطريق أمام الجيل المقبل من النساء وتركت لهن مثالاً رائعاً ليحتذن حذوه، وكل ذلك بفضل مواظبتها واستقامتها واستعدادها لمتابعة أية قصة اخبارية والعمل في أي وقت من الليل أو النهار».
هذا الثبات والاستمرارية أطلقا العنان لمهنتها الاعلامية فعمّت شهرتها الآفاق وتفوقت على الاعلاميين الرجال في البيت الابيض وقدمت النموذج والإلهام لأجيالٍ من الاعلاميات الطموحات في هذا البلد.
وقد قامت هيلين توماس بتغطية نشاط البيت الابيض والرئاسة الأميركية منذ الرئيس دوايت ايزنهاور مرورا بالرئيس جون كينيدي وحتى الرئيس الحالي باراك أوباما، ويتضمن انجازها الكتابي اصدار خمسة كتب وكونها أول امرأة تصبح عضواً في «نادي الصحافة الوطني» وفي نقابة «مراسلي البيت الابيض» و«نادي غريديرون»، خوّلها لأن تتفوق على أقرانها في عقر دارهم الاعلامي.
واشتهرت توماس باستجوابها القاسي للرؤساء الاميركيين وغيرهم من المسؤولين في وقت كان يحجم فيه الاعلاميون الباقون عن توجيه أسئلة محرجة لم تخجل توماس من الخوض في القضايا المثيرة للجدل أو التعبير عن وجهات نظرها التي قد لا تكون محبذة شعبياً.
ابنة شقيقة توماس الصحافية سوزان جحا قالت لـ«صدى الوطن»: إنها ستحمل دائماً طيف هيلين توماس لأنها «إلهام لي» وهي ستبقى النبراس والقدوة التي فتحت لي باب الصحافة الاذاعية». كذلك عبّرت المنتجة التلفزيونية ومقدمة البرامج سهام عواضة جعفر عن نفس المعنى.
وكتعبير عن الإحترام الشديد لشخصها حظيت هيلين توماس باحتلال المقعد الامامي في كل المؤتمرات الصحافية الرئاسية ولكن خلال رئاسة جورج بوش رجع مقعدها الى الخلف وعندما سئِلت عن ذلك في إحدى المرات كان ردّها: «لم يحبوني لأني أسأل اسئلة فظة كثيرة». وعرف عن الصحافية القديرة ختمها للمؤتمرات الصحافية الرئاسية بعبارة أصبحت مألوفة تقول «شكراً لك أيها السيد الرئيس».
لقد كرّست هيلين اغلبية سيرتها المهنية الممتدة 70 عاماً من أجل سيادة الحق العام في المعرفة وكانت السبّاقة في الدفاع عن «التعديل الدستوري الأول» المتعلق بحرية الرأي والاعلام. وطيلة الاعوام التي احتلت فيها المقعد الامامي في البيت الابيض، اعتبرت هذا المقعد ملكاً للشعب في بيت الشعب. وعن هذا الموضوع ذكرت ابنة شقيقتها أن خالتها أحسّت بالمسؤولية للحصول على أجوبة نيابة عن الرأي العام كله لأن الناس لا يملكون فرصة للوصول إلى قلب الحدث.
كما تطرق بيان العائلة الى اقرار هيلين بشرف كونها العيون والآذان للرأي العام وإنها بكل جرأة ومن دون وجل كانت تطرح أسئلة لمساءلة القادة السياسيين ومحاسبتهم.
وداعا هيلين توماسبقلم محمود الزواوي
السبت, 07.27.2013, 10:48pm
توفيت عميدة مراسلي البيت الأبيض المتحدرة من أصل عربي هيلين توماس عن 92 عاما بعد مسيرة إعلامية استمرت 67 عاما قضت 50 عاما منها كمراسلة ومعلقة صحفية في البيت الأبيض وشملت 11 رئيسا أميركيا من أواخر فترة حكم الرئيس دوايت أيزنهاور حتى الرئيس باراك أوباما. وأصدر الرئيس أوباما بهذه المناسبة بيانا أعرب فيه عن حزنه، وجاء في البيان «كانت هيلين توماس رائدة فعلية، فقد فتحت الأبواب وكسرت الحواجز لأجيال من النساء في ميدان الصحافة، ولم تكف أبدا عن إبقاء الرؤساء – بمن فيهم أنا شخصيا – في حالة توخّ للحرص والحذر». وشملت مسيرتها الصحفية 57 عاما مع وكالة يونايتد برس إنترناشنال وعشر سنوات مع صحف هيسرت التي انتهت باستقالتها في العام 2010 وهي على مشارف سن التسعين، وذلك بعد الإدلاء بتصريحات مؤيدة لحق الفلسطينيين في العيش بوطنهم فلسطين ودعوة اليهود في فلسطين بالعودة إلى الدول التي جاؤوا منها كبولندا وألمانيا وأميركا.
تعرفت شخصيا على هيلين توماس في واشنطن قبل أكثر من 50 عاما ونشأت بيننا صداقة منذ ذلك الوقت، وقمت قبل أقل من عامين بزيارتها في منزلها بواشنطن وبتسجيل مقابلة تلفزيونية معها نيابة عن الجمعية الأردنية للبحث العلمي عرضت في المؤتمر السنوي للجمعية. وتركزت هذه المقابلة على تصريحاتها المثيرة للجدل المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعلى مسيرتها الصحفية في البيت الأبيض وتقويمها لبعض الرؤساء الأميركيين الذين تعاملت معهم.
وأكدت هيلين توماس خلال المقابلة أن الحل العادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو أن «تعود فلسطين للفلسطينيين، وأن يرحل الإسرائيليون الأجانب عنها»، مضيفة «ليس للإسرائيليين حق في فلسطين، فهم أتوا من أوروبا وما يقومون به غير محتمل»، مشيرة إلى أنهم «يريدون القدس وكل شيء آخر، ويعملون على إذلال الفلسطينيين ويستمرون في بناء مستوطناتهم ومنازلهم على أرض فلسطين».
وفيما يتعلق بتقويمها لبعض الرؤساء الأميركيين الذين قامت بتغطية أخبارهم، قالت هيلين توماس «إن جون كينيدي كان محبا للسلام” ووصفته بـ «الرئيس الأكثر تعاطفا مع القضايا العربية». وحول حكومة الرئيس باراك أوباما، قالت هيلين توماس إنها «ضعيفة وفاشلة ورهيبة»، مضيفة «لا أحب أسلوب تعامل الرئيس أوباما مع القضايا العربية». وكانت هيلين توماس قد وصفت الرئيس جوج بوش الابن إبان فترة حكمه بأنه أسوأ رئيس قامت بتغطية أخباره.
كانت هيلين توماس تفاخر بانتمائها العربي، وقالت إنها تشعر بانتمائها إلى ثقافتين، وكانت على معرفة متواضعة باللغة العربية. وقد هاجر والداها من مدينة طرابلس بلبنان. وانضمت هيلين توماس إلى وكالة يونايتد برس إنترناشنال في العام 1943، بعد عام من تخرجها من جامعة وين بمدينة ديترويت، وتحولت على مر السنين إلى أبرز صحفية في الولايات المتحدة. ومن الألقاب التي أطلقت عليها لقب «السيدة الأولى في الصحافة الأميركية» و«الصحفية الأسطورة». وكانت هيلين توماس تحتل مقعدا أماميا محجوزا لها في قاعة المؤتمرات الصحفية للرؤساء الأميركيين في البيت الأبيض، وتقوم بتوجيه السؤال الأول وتختتم المؤتمرات الصحفية بعبارة «شكرا، السيد الرئيس».
ووصفت جريدة كريستيان ساينس الأميركية المرموقة هيلين توماس في مقال نشر في العام 2008 بأنها «عنصر ثابت في السياسة الأميركية، وهي صريحة وجريئة وبارعة وقوية وصارمة». وعندما سئل الرئيس الكوبي فيديل كاسترو عن الفرق بين الديمقراطية في كوبا وفي الولايات المتحدة، أجاب قائلا «أنا لست ملزما في كوبا بأن أجيب على أسئلة توجهها هيلين توماس». واعتبرت هيلين توماس هذا الجواب قمة الإطراء لها.