ديوجين يوناني عاش في أثينا خلال القرن الثالث قبل الميلاد وكان يلقب نظراً لأسلوب حياته، بالـ( Cynic) وهي كلمة إغريقية تعني بالإنكليزية(dog)
ومن هنا جاء اسم الاتجاه الفلسفي المعروف بالـ(Cynicism) أو الكلبية، وأُعتبر ديوجين أحد أهم الفلاسفة الكلبيين.
بالنسبة للكلبيين فقد كانوا يرون أن السعادة هي المقدرة على التخلي عن كل شيء.. وأنها تتحقق بالعيش وفقاً للطبيعة وعبر تحقيق الاكتفاء
الذاتي بالاستغناء عن كل ما هو زائد عن الحاجة..
طبعاً لا يعتبر المذهب الكلبي مدرسة فلسفية منظمة بكل معنى الكلمة وإنما كان طريقة حياة أكثر من كونه نظام فلسفي..
كانوا يرفضون كل ما هو سائد من أعراف وقوانين وعادات وتقاليد ولم تكن نظرة الناس إليهم تهمهم في شيء.
أمضى جل حياته داخل برميل مسكنا له وكان يوقد مصباحا في واضحة النهار ويمشي في شوارع أثينا مدعيا انه يبحث عن الإنسان الفاضل الحكيم،
الإنسان الذي لا يوجد بين سكان المدينة.
اختار ديوجين ان يعيش حياة الحرية والتحرر رغم انه سجن وعذب وبيع مرة للقراصنة في سوق العبيد وتهكم من بائعيه ليقول لهم خذوني
أيها العبيد فانتم في حاجة لسيد.
لم يكن يملك أي شيء، وكان معتاداً على ضبط النفس والتقشف الصارم معرضا نفسه إلى البرد والحر الشديدين، فكان يرتدي عباءة خشنة
ويحمل عصا ومحفظة صغيرة.. ويعيش في برميل!! مطبقاً نظريته عملياً ليثبت للناس أن الفضيلة ليست مجرد نظريات فلسفية...
عُرِف بازدرائه للغنى وذمه لمظاهر الترف والإسراف والتبذير.. والاكتفاء بما يتفضل به الناس عليه من طعام.
ذهب يوما الى الفيلسوف اليوناني انتيثينس احد اتباع سقراط وطلب منه ان يقبله كتلميذ فرفض الاستاذ وعندما الح عليه ديوجين بطلبه ضربه الاستاذ
بعصاه فقال ديوجين اضربني كما تشاء ولكنك لن تجدا ابدا عصا اصلب من تصميمي على البقاء والاستماع لما تقوله طالما انه يستحق الاستماع
وطبعا قبله الاستاذ....
لم يهتم – كفلاسفة ذلك العصر – بدراسة الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة ، ولا بما فيها من أفلاك ونجوم ، فكان إذا سمع رجلاً يتكلم عن الأفلاك
يقوله له : متى كان نزولك من السماء ، ثم يلتفت إلى من حوله ، ويقول : إن هؤلاء يتكلمون عن الكواكب ، وهم لا يعرفون حقيقة ما تحت
أقدامهم كان ينعى على تقاليد قومه ، وينكر عاداتهم ، ويسخر من الذين يقدمون القرابين للآلهة ، ويتطيرون من الأحلام ، وينسون ما يعانونه
من آلام اليقظة .
خرج ديوجين على تقاليد عصره ، ولكنه لم يحمل سيفاً ولا قلماً ، بل كان يسير في الأسواق والشوارع ، ويدخل المعابد والمجتمعات
يوجّه الناس إلى الطريق الأفضل ، إلى تغيير الأساليب التي اعتادوها وألِفوها ، مبيناً أن التغيير سهل يسير ، ويأتي بأفعال تدل على السخرية
والاستخفاف بعرفهم وطريقتهم...
ديوجين والاسكندر :
سأله الاسكندر المقدوني : هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت انتباه الناس وإعجابهم بك؟؟؟
قال ديوجين: وهل فعلاً تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق.. أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب؟
ابتسم الاسكندر وقال: هذا برميل مليء بالحكمة..
فقال ديوجين: أتمنى لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة.. نقطة واحدة من الحظ الجيد..
للحكمة طعم مر.. وأحياناً تودي بك إلى الهلاك.. بينما الحظ يفتح لك أبواباً ويحقق لك سعادة ما كنت تحلم بها
أعجب الإسكندر.. الذي يعرف جيداً معنى الحظ.. بكلام ديوجين ، ثم أخبره أن يطلب منه ما يشاء ليلبيه له..
فأجابه ديوجين بهدوء : أريد منك شيئاً واحداً...
إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس..
لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه...
لا تحجب شمسي بظلك!!
سأله الإسكندر: الست خائفا
رد عليه ديوجين : وهل أنت خير أم شر ؟
الإسكندر : خير طبعا.
ديوجين : ومن يخاف من الخير؟
حينها قال الإسكندر: لو لم أكن الإسكندر الملك العظيم لتمنيت ان أكون ديوجين…
كما يقال أنهما ماتا في نفس اليوم.. ديوجين عن عمر يناهز التسعين والاسكندر عن عمر لا يتجاوز الثلاثة والثلاثين...
حيث قرر ديوجين ذات يوم أن يتوقف عن التنفس ويمنع الهواء من الدخول إلى رئتيه.. ربما اقتنع يومها أنه لا جدوى من البحث!!!
ترى.. خلال جلوسه في ذلك البرميل وتجوله مع ذلك المصباح.. هل كان ديوجين يرى ما لم يستطع رؤيته الآخرين.
والآن أصبح مصباح ديوجين .. مصباح الحكمة.. و رمزاً للبحث عن الحقيقة