بقلم مريم شهاب
مجلة صدى الوطن ـ ديترويت،
الجمعة, 02.22.2013,
لماذا الأغلبية من الشرقيين متطرفون، تقريباً في كل شيء؟؟ ولماذا الكائن العربي مفرط في مشاعر الكره والحب.. في الصدق والكذب.. في الوفاء والخيانة.. في البخل والكرم.. في المدح والهجاء وفي الدين والسياسة؟ حتى هنا في الجالية العربية (في اميريكا)
التطرف سمة غالبة على تصرفات الكثيرين الشخصية، فإما أبيض أو أسود، معي أو ضدي.. لا وسطية ولا إعتدال ولا فهم للآخر.
ونحن أناسٌ لا توسّط بيننا ----- لنا الصدر دون العالمين أو القبر
هذا ما قاله الشاعر أبو فراس الحمداني، كشاهد على التطرف والتصلب والعناد وجمود الرأي الموروث عن الأجداد الأوائل الذين كانوا ينصبون خيامهم البالية في مهب الريح والعواصف. ويحاربون بعضهم بعضاً ولسنوات طويلة، من أجل كلمة تافهة أو من أجل ناقة، أو تيس ماعز أو من أجل عيون إمرأة حولاء، ولا زال الحبل على الجرار، حيث الأحفاد يقتلون بعضهم بعضاً من أجل كرسي الزعامة، فإما في الصدر وإما في القبر، وإن شاء الله يرسل عليهم طوفاناً يرميهم في البحر ليطهرهم فيرتاحوا ويرتاح الناس جميعاً.
ومن المفارقات العجيبة، أن التطرف يزيد الإنسان الشرقي عناداً وصلابة وحقداً (النار ولا العار)، ويتوارثه جيل بعد جيل. وغالباً ما يكون العار هو حدثُ عابر وتافه كحب إمرأة لرجل لا ترضى عنه القبيلة، أما العار والشنار وضياع فلسطين ودول سائر المشرق، وموت الأطفال وإغتيال أحلام الشباب في تلك البلاد فالله هو المسؤول، فما أصابكم من مصيبة إلا بإذنه.
حتى في الحب، يغلب على الإنسان الشرقي التطرف والغلو. وقصص العشق تزهو وتتباهى بالحب «المنيل بستين نيلة»، المؤدي إلى التعاسة والموت، عندما يحمل الحبيب الولهان روحه على كفه ويضع قلبه تحت أقدام محبوبته، لتدوسه برجليها الخشنتين: وليستعذب هو أصناف العذاب والهوان ويكويه لهيب العشق حتى الفناء.
وخير شاهد على ذلك قصائد الغزل والعشق منذ القديم وحتى كلام الهزل والغرام في هذه الأيام التي تملأ الأرض والفضاء بأغانٍ تافهة ورخيصة بأصوات مخنّثة، لا هي نسائية ولا ذكورية مثل «حتى وأنت مطلّعة عيني أحبك موت».
في الحياة اليومية تألف الأذن سماع جمل ومفردات تنضح بالتطرف والسوداوية مثل: «بحبك موت» أو «يابعد قلبي وروحي» «ياريت يكون يومي قبل يومك»، وفي لبنان وسوريا، إختصرت الناس كل هذه الكلمات بكلمة «تقبرني» أو «ريتك تمشي على قبري».
الشاعر نزار قباني عندما زار دمشق بعد غياب سنين عديدة قال لها:
هذي دمشق، وهذي الكأس والراح ----- إني عشقت وبعض العشق ذباح.
بالمقابل لم يقف التطرف في الشعر والغناء والسلوك بل إنتقلت العدوى إلى الدين وإلى الأوطان، والتطرف في الدين موضوع واسع وشائك تستعر ناره في دول المشرق ولسعاته تصل إلى العالم عبر قنوات العهر الديني، وعبر صراخ شيوخ جهلة وكفرة ومشعوذين ومبصّرين، وفي الطرف الآخر هناك التطرف في «حب الأرض الي بتتكلم عربي»، وفيها يردد الناس دوماً أنهم على إستعداد لفدائها بالروح والدم، ناسين أن أرضهم ليست بحاجة لدمائهم الفاسدة، بل بحاجة إلى بناء وتعمير وتطوير وصحة وثقافة، أوطانهم بحاجة إلى التسامح والعدل والوسطية وعدم التطرف في الحب والكره.