حنا خباز 1871 - 1955
هو حنا بن عبد الله بن حنّا بن داود بن الياس العجي وأصل الأسرة من كفرام في وادي النّصاري، وقد نزحت إلى حمص في القرن الثّامن عشر. وبعد نزوحها تغيّر إسم الأسرة إلى «مزوق» بدلاً من «العجي». وقد اتخذ المُترجم لنفسه اسم خبّاز لأن والده كان خبازاً وغلب هذا اللّقب على أسرته.
ولد في مدينة حمص في أول تموز، من أبوين فقيرين ومحيطٍ بعيدٍ عن العلم. تعلّم القراءة في كتاب أهليّ بسيط عند الخوري إيليا جرجس الإنطاكي وهو في الخامسة من عمره وقد أتمّ فيه قراءة الكراسة والمزامير والأكطخيوس في سنةٍ واحدةٍ؛ ثم استقلّ في صناعة الدّيما والحياكة التي أتقنها ومارسها حتّى سنة .1889 كان من صُنّاع الحرير والنّقش بالقصب، ثم واظب على حضور الإجتماعات الدّينية ودراسة الكتاب المقدّس.
في سنة ،1884 أُصيب بإلتهابٍ في رجله، لازم لسببه المنزل مدة شهرين وانقطع عن العمل. فكان ذلك المرض نقطة التحول في حياته، حصل على كتاب «مغني المتعلّم عن المعلّم» في الصّرف والنّحو، فقرأه وتفهّمه وكان ذلك الكتاب الحجر الأول في بنائه العلمي وأصبح هدفه الحصول على المزيد من العلم والمعرفة. فتلقى علوم اللغة العربية على أستاذ حمص الكبير المرحوم يوسف شاهين وعلى الشيخ مصطفى الحداد، حتّى انه استطاع سنة 1888 أن ينظم قصيدةً يودّع بها القسّيس يوسف بدر القاصوف، عند سفره من حمص.
أما الحساب فقد تعلّم منه القواعد الأربع في أربع ليالٍ متتاليةٍ. وبسبب انتسابه للطّائفة الإنجيلية وبسبب نشاطه، أخذ عن معلمي مدرستها الابتدائية بعض العلوم العصرية. واتّجهت ميوله نحو المزيد من العلم، فالتحق بمدرسة صيدا ودرس فيها مدّة سنتين، من سنة 1889 إلى 1891 ونال شهادتها الثانوية. وكان من رفاقه في التلمذة، في مدرسة صيدا، السياسي المعروف فارس الخوري والكاتب الإجتماعي نقولا الحداد.
في سنة ،1891عاد إلى حمص معلماً في مدرستها الإنجيلية الإبتدائية. وفي سنة 1892 قرّر الإلتحاق بمدرسة اللاّهوت الإنجيلية، وكان يود كثيراً أن يلتحق بالجامعة الأميركية ولكن عجزه المادي حال دون تحقيق غايته.
في سنة ،1895 أنهى دروسه اللاهوتية ونال شهادتها ومارس أعمال التّبشير والتّعليم في عدة كنائس.
وفي سنة ،1896 اقترن بالآنسة آجيا اليازجي، إحدى خريجات مدرسة البنات الأميركية في طرابلس، فكانت خير رفيق له وأكبر معين ومساعد في حياته وعمله الدّيني والتّربوي. أعقب منها أربعة بنين وكريمتين، وكلهم من خرّيجي الجامعات والمدارس العالية.
وفي سنة ،1901 عُيِّن واعظاً لكنيسة حمص الإنجيلية ومديراً لمدارسها. ورغم كل مقاومةٍ تعرّض لها في تأسيس كليّة حمص الوطنية في سنة 1908، فقد شيد المباني المدرسية. ولم يمض على تأسيس الكلية سنوات حتى أصبحت مناراً للعلم والعرفان في شمالي سوريا. وفي سنة،1911 أصدر «جادة الرشاد» وهي جريدة أسبوعية إخبارية إجتماعية.
عندما أعلِنَت الحرب العالمية الأولى في صيف ،1914 أُعيدت محاكمته وحُكِم عليه بالسّجن ثلاثة أشهر فشعر أنّ حياته أصبحت في خطرٍ، فأسرع إلى الرحيل قاصداً مصر حيث قضى أربع سنوات كانت من أصعب سِني حياته لأنه كان بعيداً عن عمله ومحيطه. وفي غيابه صادرت الحكومة التركية المباني المدرسية وبدّدت أثاثها.
في سنة ،1916 قام برحلةٍ إلى أميركا من طريق الشّرق الأقصى حيث قضى نحو سنة صادف من الأخطار والمتاعب والاختبارات في الهند وبورما والملايو والصين واليابان والفلبين ما سجّله في مذكراته في الجزء الأول من كتابه حول الكرة الأرضية.
ولقي في أمريكا ترحاباً وتقديراً عظيمين من مواطنيه المغتربين. وجمع إعاناتٍ كثيرةً لإعادة افتتاح الكلية سنة 1922 عند عودته إلى حمص.
حاك رجال الإنتداب الفرنسي حوله المؤامرات وبثّوا الجواسيس حوله وعاكسوه وقضوا على جهوده الثقافية، فاضطر لمغادرة حمص سنة1925 قاصداً ثانيةً مصر، وقضى السنوات من سنة 1926 إلى سنة 1938 في مصر والسّودان حيث كان أولاده يعملون فيهما.
وبعودته إلى دمشق أصبح رئيس الطائفة الانجيلية فيهاحتى عام 1948 ثم انتقل مع عائلته إلى بلدة سوق الغرب في لبنان وبقي فيها حتى وافاه الأجل في 26 تموز عام 1955 ودفن في بيروت .
كان حنا خباز عالم كبير، صلب العقيدة , سريع الخاطر, بديهي النكتة , خطيب منوّه , متين اللغة .
من مؤلفّاته : ترجمة جمهورية أفلاطون ـ فارس الخوري ـ أنت والكتاب ـ البرج القديم ـ الادلّة البهيّة ـ فرنسا وسوريا ـ معارك فاصلة في التاريخ ـ رواية قنّاصة الملوك ـ الفلسفة في كل العصورـ فلاسفة الأدهارـ إسرائيل ـ مزايا الفتاة ـ حول الكرة الارضية ـ لطائف أخباري في متاحف أسفاري ـ البرد القشيب ـ معجم الصفات البشرية ـ الله ـ أحاديث في الحُب ـ فلاسفة المسلمين ـ مجلة جادة الرشاد ( مجلة شهرية إجتماعية أخلاقية ) تبحث في الآداب والفلسفة والعلميات والدفاع عن المرأة أسسّها في حمص عام 1923 وبقيت خمس سنوات ـ مذكراته 17 مجلّداً ـ إضافة إلى مخطوطات أدبية وتاريخية .
وهذه مقتطفات مما كتب حنا خبّاز :
ـ مقابلته للعالِم : توماس أديسون ( 1847 ـ 1931) عام 1920 :
كان ذلك يوم الثلآثاء تاريخ 26 تشرن الأول عام 1920 الساعة الثانية بعد الظهر في مدينة أُورانج بولاية نيوجيرزي . وقف حنا خباز ورفع عينيه إلى أديسون فإذا هو : طويل القامة ، ضخم الجثّة ، أشقر اللون ، لُجيني الشَعر ، حاد النظر ، كثيــف الحاجبين ، عريض المنكبين ، عالي الجبهة ، ثقيل السمع ، بسيـط المظهر ، عديم التكلُّف ، خفيف الروح ، يتكلّم كالأطفال . وسأله حنا خباز من بين الأسئلة ما أحب إختراعاتك وأنفعها للناس؟ فأجابه : المحرك الكهربائي ، التنوير الكهربائي، الفونوغــراف ، و الصور المتحركة . ثم أهداه أديسون صورته ووقّع عليها .
من خطبة ألقاها في المكسيك عام 1921 :
... إني أُقدِّس الجامعة السورية أوّلاً لأني سوري وثانياً لعلمي أن الجامعة السورية كانت ومازالت توطئة للجامعة الكونية . نحن بني سورية قادة الجنس البشري إلى المعالي من قِدَم . منَّا نشأ كثيرون من كبار المفكّرين . بلدنا مهد العِلْم والتمدُّن وعنّا أخــذت الأمم في مشارق الأرض ومغاربها . ولأجدادنا أجَلّ الأثار في كل القارّات .....
ـ من خطبة أُلقيَت في المكسيك أمام الجاليـــة السوريــة في بتاريخ 8 تموز عام 1921 :
لست المتيّم ياسعاد فحـاذري أن تنصبي شرك الهوى لمحاذري فتوشّحي برد العفاف وغادري سبل الغواة فما النهى بمغــادري وتقلّدي سيف الصواب وحاضري بالصبر في سوق الجهاد الحاضر لم أرضَ للغادات كسر الخاطر وسِوى المحبة لم يجل في خاطري لكنني أهوى نفوس أكابــر ورِثوا الفخامة كابراً عن كابــرِ
3 ـ من خطاب ألقاه في حفل زواج إبنه ناجي عام 1923 :
.... من أسمج التقاليد وأشدّها إضراراً بنا إستعباد المرأة ، المرأة هي النصف الأشرف في الجنس البشري . ومنها والدتك وأختك وزوجتك وإبنتك ، فجدير بك كعاقل منصف إعطاء هذه الجواهر حقّها من الثجلة والإحترام . لاإسراف في احترام السيدة الراقية . ولاعار في إكرامها . إنّما العار كل العار في غمطها حقّها والضن عليها رالإكرام اللآئق .المرأة مركبة الرجل وعماد حياته . يرقى برقيّها ويسفل بهوانها .
ـ من كتابه إسرائيل :
... فافتحوا عيونكم ياعرب . إسرائيل عنده مال يروم أن يوظفه في سوق رابحة . فرأى فلسطين بلداً ملائماً لغرضه . فجاء فلسطين لا ليعبد الله . كلا . ولا ليشيــد الدولة المثالية ، إسرائيل أبعد أُمم الأرض عن المثاليات هو رجل مال لاغير . إسرائيل الآن في ضيق شديد هذه الدولة المفبركة تحيا الآن بدم مستمدّ من أمريكا يحقنونها به . وهو ينتظر يوماً يتمكّن فيه من وضع يده في يد العرب ليستنزف أموالهم وقوتهم فيستغني عن أمريكا . لفد فهم من ذلك أن لحياة إسرائيل موردين مورد مؤقت وهو أمريــكا ومورد ثابت وهو العرب . فإذا ثبت العرب على المقاطعة انهـار إسرائيل . لأنــه بالمقاطعة تكسد بضائعه . وتُقفل مصانعه . وتنتهي مطامعه . وتتحــقّق فواجعه ووجائعه