متحف هنري فورد ..شاهد حي على تاريخ العظمة الأميركية
ديربورن - مجلة صدى الوطن
ترك الصناعي الأميركي الرائد هنري فورد بصمة كبيرة على حياة الناس في أميركا والعالم، ولكن الإرث الكبير الذي تركه في منطقة ديترويت ولاسيما في مدينة ديربورن لا يزال ماثلاً بوضوح لسكان هذه المنطقة من خلال المؤسسات الصناعية والمالية والطبية والانسانية التي تحمل اسمه. ولكن أكثر ما يخلد اسم هنري فورد وإنجازات الصناعة الأميركية هو المتحف الضخم الذي تحتضنه مدينة ديربورن منذ العام ١٩٢٩، والذي يجذب سنوياً ملايين السائحين من مختلف أنحاء أميركا والعالم... رغم أن الكثيرين من سكان المدينة، ولاسيما من العرب الأميركيين، لم يزوروه يوماً.
في المتحفويدل "متحف هنري فورد" الذي يحتوي على تشكيلة نادرة من أقدم السيارات الأميركية والعالمية، على أهمية الرجل الصناعي الذي ولد في ديربورن وقضى حياته فيها، فأثمرت جهوده توفير السيارة لعموم الناس بعدما وفر خطوط الانتاج الحديثة المعروفة بالخطوط الفوردية.
وتشاهد عند مدخل "متحف هنري فورد" الواقع في غرب ديربورن، البهاء التاريخي المرصع بعظمة السيارات المعروضة هناك والمزينة بالأعلام الأميركية، من سيارة الرئيس ريتشارد نيكسون وصولا الى عربة الخيل التي استقلها الرئيس روزفلت عام 1920 (الذي كان يكره السيارات)، حتى سيارة الليموزين للرئيس الأسبق جون كينيدي التي اغتيل فيها في تكساس عام 1961.
وعندما زار الرئيس الأميركي باراك أوباما المتحف أثناء مشاركته في اجتماعات لجمع تبرعات للحملة الانتخابية في مدينة ديربورن في نيسان (أبريل) الماضي، جلس الرئيس الأسود في الحافلة التي شهدت واحدة من أهم الحوادث أدت الى تأجيج حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة عندما رفضت السيدة الأميركية السوداء روزا باركس التخلي عن مكانها لرجل أبيض في مدينة مونتغمري (ألاباما) عام 1955 في واحد من أهم الحوادث في مرحلة نضال السود.
ويحوي المتحف في أحد أقسامه أول سيارة اطفاء استخدمتها إدارة المطافئ عام 1924 بلونها الأحمر وحجمها الضخم، وأول سيارة بريد استعملتها ادارة البريد الأميركية في العام 1902 أي بعد سنوات من مباشرتها توزيع الرسائل عام 1896.
في جانب من القسم تجد أيضا أول سيارة صنعها فورد عام 19٠5، وأول دراجة نارية في أميركا التي استقدمت من نيويورك عام 1970.
ولا يمكن تجاهل سيارة "الموستانغ" المعروضة هناك وهي موديل 1962 ويطلق عليها "الفرس البري".
لكن المتحف لا يقتصر فقط على السيارات بل يضم أيضاً معروضات من كامل تاريخ الصناعة الأميركية الميكانيكية والكهربائية مثل أقدم مولدات الطاقة (الموتورات)، وكذلك يرصد بدايات العربات القديمة التي كانت تستعمل في مختلف نواحي الحياة بعضها صنعت من قبل وليام روس من أعوام 1702-1802 وهناك البعض منها يمتد الى سلالات الأتراك. إضافة الى سيارات السباق المتنوعة الأشكال والألوان والموديلات التي تجعل مشاهدها يسرح بخياله الى تلك الحقبة التي صنعت بها.
وهناك قسم القطارات الذي يعرض أنواعاً مختلفة من القطارات القديمة الشامخة بعظمة حجمها وعبق تاريخها ودقة اختراعها، كما يرصد المتحف البيوت المتنقلة في بدايتها التي تدفعك تلقائيا للمقارنة بمنتجات عصرنا الحديث. ويضم المتحف العملاق أيضاً صالات عرض وجولات حية في مصنع "ريفر روج" إضافة الى أجنحة تاريخية متعدد
محيط عربي من المعروف أن أكبر جالية عربية في أميركا تقيم في المدينة التي يقع فيها المتحف، وأيضا على مقربة من مصانع انتاج السيارات، فالرجل الذي صنع لأمريكا أول سيارة هو نفسه الذي جلب اليها أول عامل، فقد استقدم هنري فورد الذي عرف بعدائه لليهود عمالا من الجنسيات العربية المختلفة لاسيما من اليمن للعمل بمصنع ريفر روج في جنوب شرق ديربورن بعد عرضه لرواتب عالية جداً مقارنة بالمصانع الأخرى.
ولكن المستغرب اليوم هو أن الكثير من السكان العرب القاطنين في ديربورن لم يتعرفوا على المتحف ولم يقوموا بزيارته رغم كل ما يحمله من عراقة وتاريخ، كما انهم لا يعرفون عن الرجل الذي أسس هذا المتحف ليحفظ إرثه وإرث الصناعة الأميركية سوى القليل.
ويقول حسن محمد (45 عاماً) ويعمل في الكترونيات، "أنا مقيم في ديربورن منذ 11 عاما ولكن لم أفكر ولا مرة واحدة بزيارة المتحف، وأرجع السبب الى أعباء ومشاغل الحياة وعدم الاهتمام أيضاً".
ومن جهته، يلوم بلال المتحف الذي يتمتع بميزانية ضخمة ويحجم عن تسويق نفسه محلياً "سمعت مؤخراً بمتحف هنري فورد، فقط بعد حملة اعلانات قام بها لمعرض تيتانيك، لكن لم أزره بعد". أما "فاي" فهي تؤكد أنها تدرك جيدا القيمة التاريخية للمتحف وتسهب في عرض المعلومات عن محتوياته، لكن أكثر ما يعجبها في جميع أنواع السيارات المعروضة "سيارات السباق التي ترميك في أحضان تاريخ ثورة الحداثة".
أما زاهر (30 عاماً) الذي يسكن في ديربورن منذ خمس سنوات، فنفى علمه بوجود المتحف ومكانه لكنه سأل عن عنوانه حتى يصطحب اليه الأصدقاء والأقارب الذين سيزورون ديربورن في الأيام القادمة.
هذه الظاهرة التي لمسناها بعدم معرفة الكثير من أبناء الجالية العربية في ديربورن وضواحيها بالمتحف، يؤكدها التجوال في الـ"هنري فورد" حيث تجد أن أغلب زواره هم من الأميركيين ومن الجنسيات الأخرى غير العربية.
باختصار أكثر، هذا المتحف هو تاريخ حيّ للسيارات والعديد من الاختراعات القيمة التي نقلت العالم نقلة نوعية، وساهمت في بناء ديربورن التي تعتبر عاصمة العرب الأميركيين، وإحدى عواصم الصناعة الأميركية. فـ"الهنري فورد" شاهد على عظمة تاريخ الامبراطورية الأميركية وأسباب نجاحها لاسيما في هذه المرحلة التي ترزح فيها البلاد تحت وطأة الأزمات الإقتصادية
نبذة عن هنري فوردولد هنري فورد في 30 تموز (يوليو) 1863 في ديربورن وتوفي فيها في 7 نيسان (أبريل) 1947. كان الأبن الأكبر لأبيه وعمل في الزراعة بعد أن قرر ترك المدرسة في الخامسة عشر من عمره وكان جُل همه هو سبر أغوار الآلات والماكينات!. وأسس فورد لاحقاً شركة فورد لصناعة السيارات. في عام 1920 قامت جريدة "ديربورن إندبندنت" المملوكة لهنري فورد بنشر كتاب بعنوان "اليهودية العالمية.. أكبر مشكلة في العالم" كما نشر فيها بروتوكولات حكماء صهيون لأول مرة في أميركا.
أنشأ "شركة فورد" عام 1903.. وكان رئيس المهندسين بها. وأول سيارة أنتجت كانت عام ١٩٠٣. وإحدى أكبر إنجازات فورد هي إنشاء طريقة التصنيع بالتجميع (Assembly Line) في العشرينيات من القرن العشرين وتتمثل هذه الطريقة بعمل مسارات للتصنيع الهدف منها تجميع هيكل السيارة خطوة خطوة، بحيث أن العامل الواحد يبقى في مكانه ويقوم بعمل نمطي واحد طوال الوقت. بهذه الطريقة أصبح العمل أسرع وخصوصا عندما يطلب من العمال صنع الشيء المراد تصنيعه (السيارة في حالة فورد) من الألف إلى الياء وبعد الانتهاء منها يبدأون بواحدة جديدة. تحولت طريقة التصنيع بالتجميع إلى حركة صناعية عامة لأن استخدامها انتقل إلى معظم الصناعات وخصوصا الميكنة. ترتبط هذه الطريقة بحركة الحداثة.
بعد إضرابات عمال صناعة السيارات (ذوي الأصول الأوروبية) في ديترويت عام 1928، كلف هنري فورد مساعديه بالبحث عن يد عاملة بديلة، فقامت شركة "فورد" بإحضار نحو 2000 عامل يمني للعمل في ديربورن.