بقلم: عبد الخالق حموي
لأنه كذلك ، فان رشق باقة من ياسمين الكلام الى عيون القراء ، ربما تزيل بعض الغباشة .
أسماء انقرضت أسبابها ، وهي بقيت ، وصار أطلالا ، هذه المدينة التي كانت ، وتدعى اليوم "حمص"
كانت كامرأة جميلة نظيفة أنيقة ، فأتى الذي يقتل الطبيعة وما يزال ، خالعا عن كل هذه الجماليات ، وما انتهى..
طبيعة بلا أشجار ، حزين هذا الوجود ، أزالوا أشجار الكرمة والزيتون وحقول السنابل ، أسماء أزيلت أسبابها،
وبقيت فقط تسميات لا أكثر .....
كرم الشامي – كرم الزيتون – كرم شمشم – كرم اللوز ، كلها كانت كروما ، وادي الذهب ، وسمي كذلك لأن سنابل القمح التي تنمو فيه ، كانت تتطاول الى مستوى الهامات من الرجال طولا .... أين هذه الكروم ؟
لقد اقتحم الاسمنت الوقح كل أسباب الخضرة ، فأماتها وأزال من طريقه البشع البارد الباهت الأجرد كل الصفصاف والزعرور والجوز والكرمة ، وسيبقى لأنه هو الذي يسجل في تاريخ حاضرة المدينة الانتصار تلو الاّخر ، يدعمه الجشع والاستهتار لدى البعض .
أين ساقية الدبلان الجميلة الفريدة ، والجسور القوسية الشكل المنشأة عليها ، والمرصوفة أرضيتها بأحجار ملساء صفراء وحمراء وبيضاء ؟
أين العاصي النظيف الرقيق العذب ؟
هي ليست دعوة لالغاء المعامل والمنشاّت ، وما تسببه هذه من أسباب الاختناق والتلوث ، ولكن التوازن اختل مقامه ، فماتت عصافير الدوري قرب مصفاة حمص ، وانتحرت الأشجار جارات معمل السماد الاّزوتي ، وغادرت الكروم التي كانت لباس المدينة الأخضر ، وأتت مكانها أبنية بلهاء ، خانقة ، طردت الشمس من مساحاتها التي كانت ، ودهست أصص الورد البلدي الجوري والمنثور وفم السمكة والعطرة والريحان ، وهذه المفردات دخلت في معجم الذاكرة ، وما من الشباب الحاضر سمع بهذه منذ سنين طويلة .
صباح الخير أيها المناخ النظيف الذي كان ، والهواء النقي الذي غادر ، والبيوت الدافئة التي اندحرت ، فقد طالت غيبتك الندية العذبة .
لا تعذبوا الطبيعة ، فهي أيضا تتألم ، ومتى ضاقت نفسا انفجرت ....
الطبيعة هي الأم الكبرى .... وصباح الخير عسى أن يأتي ذات يوم .