مار أفرام السرياني :
هو عينة فريدة من رجال الله القديسين، يدعوه السريان «قيثارة الروح القدس» و«ملفان الكنيسة الجامعة»، قدم للكنيسة أناشيد روحية حملت مع نقاوة الإيمان المستقيم روح العبادة التقية وعاطفة الحب المتأجج مع عذوبة الأسلوب وحلاوته، وقد جاءت حياته في مجملها مثل سيمفونية رائعة، تحمل ألحانها النسكية الحازمة مع اهتمام بخدمة الفقراء، وحزم في العقيدة والتعاليم الكنسية يرافقه تواضع شديد. إنه القديس أفرام، من أشهر الأدباء السريان، نُعت بـ «تاج الأمة السريانية معلم العلماء وقطب دائرة الشعراء، نبي السريان وعمود الكنيسة». قال عنه القديس يوحنا الذهبي الفم: «أفرام كنّارة الروح القدس.. ومرشد الشبان وهادي الضالين..»، وهو أحد آباء ومعلمي الكنيسة الذي تُجمع على قداسته جميع الطوائف المسيحية الرسولية.
مار أفرام لم يصل إلى رتبة الكهنوت، فقد بقي شماساً، لأنه رأى في الكهنوت العظمة والكمال، وهو لا يستحق الكمال، فقبل أن يبقى شماساً واضعاً نصب عينيه كل ما هو كامل: المسيح يسوع، والعذراء مريم. ولكنه صار معلماً، لأنه بلسانه العجيب أظهر للكنيسة ما معنى كلمة «لاهوت»، وما معنى كلمة «فلسفة»، وما معنى كلمة «تواضع»، وما معنى كلمة «انكسار نفس»، وما معنى كلمة «رهبنة».
حياته : ولد مار أفرام في مدينة نصيبين في مطلع القرن الرابع للميلاد 306 م من أبوين مسيحيين، حسب رأي بعض المؤرخين، وربما ذكروا ذلك استناداً إلى ما ورد في إحدى خطبه: «وُلدت في طريق الحق، مع إنني في صبوتي لم أدرك عظمة الحق، وإنما عرفته بالتجربة»، كما قال: «كان والديّ معترفين أمام القاضي، نعم إني قريب للشهداء». ويذكر في إحدى كتاباته التي نُقلت إلى اليونانية في عهده ثمَّ نقلت إلى العربية بعدئذ: «إن اللذين ولداه بالجسد ثقّفاه في الإيمان المسيحي وربياه على مخافة الرب وحدّثاه عما سبق أن كابده آباؤه من العذاب في سبيل الحفاظ على الإيمان وحبّ السيد المسيح».
وقد ذكر في وصيته الأخيرة لتلاميذه: «لما كنت طفلاً رأيت في الرؤيا كرمة نابتة في لساني نمت وارتفعت في الفضاء وأينعت عناقيدها جمة وأوراقاً بلغت حدَّ الكثرة، وامتدت أفنانها وتبسطت حتى كادت تملأ الأرض جميعها وأقبلت طيور السماء فوقها وجعلت تلقط العنب من عناقيدها، وكلما التقطت منها ازدادت وكثرت»، وفسر مار أفرام هذا الحلم فقال: «إن العناقيد هي الأشعار، والخصل هي الأناشيد، مبارك من غرس الكرمة وكثر عناقيدها وخصلها».
ثم تتلمذ، في شرخ شبابه على يد خاله لمار يعقوب أسقف نصيبين الذي رُسم عليها أسقفاً عام 309م، وكان ناسكاً فاضلاً، أخلص العبادة لله منفرداً في مغارة قربها، واختير ليكون أول أسقف عليها، ووصف بالعلم والغيرة على تهذيب رعيته في أصول الدين المبين وارتقاء معارج الفضيلة، واعتمد مار أفرام على يديه وهو ابن ثماني عشرة سنة فأحبه هذا كثيراً واتخذه تلميذاً وكاتباً في آنٍ واحد ورسمه شماساً وألبسه الثوب الرهباني. واصطحبه عام 325م إلى مجمع نيقية، وعلى إثر عودتهما من المجمع أسس مار يعقوب في نصيبين مدرسة سلّم زمام التعليم فيها إلى تلميذه مار أفرام. وبعد انتقال مار يعقوب إلى جوار ربه سنة 338م تسلّم مار أفرام إدارة المدرسة، وفيها نظم القصائد البديعة والأناشيد الشجية التي تُعرف بـ «النصيبينية»، وتعدُّ صوراً رائعة لحياة ذلك العصر في تلك المنطقة، ففيها يصف لنا ما قاسته مدينته في الحصارات والحروب، حيث كانت بحكم موقعها على حدود الدولتين الفارسية والرومانية، تتعرض لحروب طاحنة، فتخضع لسلطان الفرس حيناً والرومان أحياناً، وقد عاصر مار أفرام هذه المآسي في الأعوام 338 و350 و359 و363م، ويظهر بكتاباته ما كان يكنه قلبه الكبير وقلب كل مواطن صالح من إيمان بالله واتكال عليه تعالى، كما أنه يقوّم ويثمّن مواقف رجالات الكنيسة المشرّفة، بتشجيع رعيتهم أوقات الحروب للدفاع عن المدينة ببسالة باذلين في سبيل ذلك النفس والنفيس كما يقرض أساقفة نصيبين وهم مار يعقوب (+338م) وخلفاؤه بابويه (338ـ349م) وولغش (349ـ361م) وإبراهيم (361م).
مار أفرام السريانيوكانت اللغة السريانية لغة التدريس الرسمية في مدرسة نصيبين حيث كانت نصيبين في القرن الرابع مدينة سريانية قلباً وقالباً، لغة وحضارة، وكانت مدرسة نصيبين تتبع في الفلسفة طريقة مدرسة أنطاكية التي كانت تعتمد على أرسطو أكثر من أفلاطون، وكانت مبادؤها توجب في كل موضوع بساطة في المنهج، وكمالاً في الإيضاح، وإدراكاً في تعليم الإيمان.
وقد تخرّج من هذه المدرسة علماء نوابغ، ولا غرو فقد كان مديرها وأستاذها الأول مار أفرام عملاق الأدب السرياني، الذي كان منذ نعومة أظفاره يقضي بياض نهاره وسواد ليله في الدرس والتحصيل مكباً على مطالعة الكتاب المقدس فتعمق في علومه، وأتقن اللغة السريانية وآدابها حتى غدا في الرعيل الأول بين أقطابها بل هو فارسها الذي لا يجارى.
وكان مار أفرام صوَّاماً قواماً، ذبل جسده ورق نتيجة لتطرفه وإغراقه في حياة الزهد، وقد وصفه مار غريغوريوس النوسي (+396م) قائلاً: «إنه لم يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجففة، ولم يشرب سوى الماء، حتى حاكى هيكلاً عظمياً بل تمثالاً من الفخار، أما لباسه فكان ثوباً خلقاً بل أطماراً بالية».
وقد وصف فلسفته الرهبانية بقصيدة نفيسة جداً خماسية الوزن يخاطب فيها نفسه التي روّضها على شظف أعمال التقشف القاسية، وقد جاء فيها ما ترجمته بتصرف:
- « وإذا كان الجسد دائماً يكثر مراودتي في فتوتي وشيخوختي فإني كنت أروضه يوماً فيوماً حتى النهاية».
- « في صباح كل يوم كنت أفكر بأنني سأموت مساءً وكالرجل المائت لا محالة قمت بأعباء عملي كل أيام حياتي دون ملل ولا كلل».
- « وفي مساء كل يوم كنت أتصور أني لا أكون موجوداً صباحاً فأنتصب بالصلاة والعبادة حتى شروق الشمس وبزوغها».
- « قد صار ذهني مذبحاً وإرادتي كاهناً، وكمثل حمل بلا عيب فيه ضحيت بذاتي قرباناً».
- « لم أعر للأطعمة أهمية، ونبذت الخمور إذ وضعت نصب عيني وليمة ملكوتك أيها الختن السماوي».
ولم تكن الرهبانية لديه تصوفاً وانقطاعاً عن العالم وصوماً وصلاة فحسب بل كانت أيضاً خدمة للإنسانية، ووسيلة لحفظ التراث القومي،
لذلك جعل الأديرة مركزاً مهماً للعلم والمعرفة حيث ازدهرت العلوم والآداب في عهده، واقتداء به أكبّ تلاميذه ومن بعدهم أغلب الرهبان السريان
على الدرس والتحصيل، وعكفوا على البحث والتأليف، فتركوا لنا آثاراً أدبية قيمة ونفيسة تعجّ بها مكتبات العالم اليوم وبذلك أسهموا
في رقي بلادهم وازدهارها ونشر الحضارة فيها.
وعندما سلمت نصيبين إلى الفرس سنة 363م هجرها مار أفرام وبرفقته نخبة طيبة من أساتذة مدرستها وتلامذتها جاؤوا إلى الرها التي كانت
من أشهر مدن بلاد ما بين النهرين العليا ومركزاً للتجارة بين بلاد العرب وآسيا الوسطى، وتسمى اليوم أورفا وهي تحت الحكم التركي.
وكان مار أفرام تارة يتنسك في مغارة في جبلها المقدس، وتارة يتفرغ للتدريس في مدرستها الشهيرة التي كانت قد أسست في فجر المسيحية والتي تخرج منها برديصان الشاعر الكبير (154-202م)، ووافا الفيلسوف وأسونا العالم، فجدّدها مار أفرام وصحبه وازدهرت على أيديهم، ودامت حتى عام 489م. وكان تلامذتها ـ وأغلبهم من بلاد فارس ـ يتلقّون دروساً في شرح الكتاب المقدس بعهديه معتمدين بذلك على تفسير مار أفرام وهو أقدم من فسّر الكتاب المقدس عند السريان، كما كانوا يأخذون عنه العلوم اللاهوتية لإثبات حقائق الدين المبين ومناهضة تعاليم طيطيانس ومرقيون وبرديصان وماني وأريوس. فعُدت كتاباته مثالاً للتعاليم اللاهوتية في الكنيسة السريانية.
واهتمّت مدرسة الرها أيضاً بتدريس الفلسفة على مذهب أرسطو و تلقين طلابها العلوم اللغوية والأدبية باللغتين السريانية واليونانية.
وقيل أن مار أفرام قد زار الأنبا بشواي وغيره من النساك في مصر. كما زار بعدئذ القديس مار باسيليوس أسقف قيصرية قبدوقية (+379م)، ويستبعد بعض النقاد هاتين الزيارتين.
وفاتهمار أفرام السرياني لحظة وفاته : عندما حلّت المجاعة في الرها في شتاء عام 372 ـ 373م، ومات عدد غير يسير من أهلها أخذ مار أفرام يطوف دور الأغنياء ويحثّهم على أعمال الرحمة ويجمع منهم الصدقات ويوزّعها على الفقراء. كما أسس دوراً جمع فيها ثلاثمئة سرير وقيل ألفا وثلاثمئة سرير صارت ملجأ للعجزة، وكان يشرف بنفسه على الاعتناء بهم. وعلى إثر الجوع انتشر وباء الطاعون، فانبرى مار أفرام في تطبيب المرضى ومواساتهم حتى أصيب بدوره بداء الطاعون واحتمل صابراً آلامه المبرحة، وفاضت روحه الطاهرة في 9 حزيران عام 373م ودفن في مقبرة الغرباء في ظاهر مدينة الرها بناء على وصيته، وبني على ضريحه دير عرف بالدير السفلي ثم نقلت رفاته الطاهر إلى مقبرة الأساقفة في كنيسة الرها الكبرى، وقيل أنه نقل عام 1145م إلى أوروبا مع ذخائر بعض القديسين وعيّدت له الكنيسة شرقاً وغرباً.
وصيتهوفي الساعات الأخيرة من حياته المجيدة، وفي لحظات احتضاره الرهيبة، أملى على تلاميذه وصيته الأخيرة شعراً فاهتموا بتدوينها حالاً، وقد ترجمت إلى اليونانية بعد وفاته بمدة وجيزة، واستشهد بها القديس غريغوريوس النوسي (+396م) خمس مرات في تقريظه لمار أفرام السرياني. وقد اعترف مار أفرام بوصيته هذه بإيمانه، وبيّن تمسّكه بالعقيدة المسيحية، وحثّ تلاميذه على التشبه به. وجاء فيها ما تعريبه بتصرف:
«أنا أفرام مائت لا محالة وأدوّن وصيتي هذه لتبقى من بعدي ذكراً لكل إنسان، الويل لي فإن أيام حياتي قد أوشكت على الانتهاء، لقد نفد الزيت في السراج وقرب يوم الموت، إنَّ الأجير قضى ساعة عمله ودنا موعد رحيل الغريب وأوبته إلى وطنه.
ويلك يا أفرام من يوم الدينونة حيث إنك ستقف أمام منبر الابن ويحتاط بك من عرفك (في العالم السابق)، فتذوب خجلاً، أسألك يا يسوع ألا تدع سواك يدين أفرام لأن من كان ديَّانه الله لابد من أن ينعم عليه بالرحمة.
هلمّوا يا تلاميذي وأغمضوا أجفاني فأنا مائت لا محالة. يا تلاميذي: اتخذوا مني مثالاً لكم، إنني لم أشتم ولم أخاصم أحداً البتة، ولكني كنت على نزاع دائم مستمر مع الكفرة، ذلك أنَّ الحكيم لا يبغض أحداً، وإن أبغض فإنما يبغض الجاهل، أما الجاهل فلا يحب أحداً أبداً، وإن أحب فإنه يحب رفيقه الجاهل. إنني لم أرْتَبْ بالعقيدة ولم أشكك بحقائق الإيمان، لم أملك كيساً ولا مزوداً ولا عصا إتماماً لوصية الرب.
اقرئوني السلام يا أخوتي وسامحوني لأرحل عنكم [مطمئن البال]، اذكروني بصلواتكم وطلباتكم... استحلفكم يا أبناء الرها قسماً لا حل فيه ألا تحيدوا عن وصاياي ولا تبطلوا شرائعي، لا تدفنوا جسدي تحت المذبح ولا في الهيكل، ولا مع الشهداء. لا يضع أحدكم على جثماني ثوباً فاخراً بل واروا جسدي التراب بثوبي وقبعتي وذلك في مقبرة الغرباء لأني غريب نظيرهم وكل طير يأوي على شكله.
لا يجدر البكاء على الصالحين عند رقادهم... إنما يليق بكم أيها الأخوة أن تسكبوا الدموع على أمثالي ممن بدد حياته بالأباطيل.
أستودعكِ السلام أيتها الأرض، ولتحل النعمة على سكانك، صلاتي إلى الله أن يتوب الخطاة وينال التائبون برارا.
هلم بسلام يا ملاك الموت يا من تفصل النفس عن الجسد، هلم افصلهما عم بعضهما حتى يحين موعد البعث».
أول جوقة للفتياتاهتم مار أفرام بالحياة الطقسية في الكنيسة السريانية إذ أدخل إليها أناشيده المنظومة الموقعة على ألحان خاصة، وألّف مار أفرام في الرها أول جوقة ترتيل من الفتيات السريانيات اللواتي علّمهن ما ابتكره، أو ما كان اقتبسه من الأنغام الموسيقية، وما نظمه من القصائد الروحية، والتراتيل الشجية التي ضمّنها العقائد الدينية وصورة الإيمان المستقيم، فكنّ يتغنين بها في الكنيسة أثناء الصلاة. وقد صارت أناشيده وأشعاره جزءاً من صلب الطقس السرياني في حياته، ولا تزال الكنيسة السريانية تترنم بها صباح مساء.
ولاشك في أنَّ مار أفرام بتأليفه جوقة المرتلات من الفتيات رفع مقام المرأة، وأكد أن لها الحق كالرجل في تسبيح الله في الصلاة الجمهورية. فإلى مار أفرام يعود الفضل في تنظيم الحياة الطقسية في الكنيسة السريانية وبتأليف الجوقات الكنسية التي نشهدها في الكنائس المسيحية حتى يومنا.
مؤلفاته :أدرك مار أفرام اللغة السريانية نقية صافية خالية من العجمة وسائر الشوائب، وغنية واسعة وأداة طيعة في التعبير عن مختلف الأهداف الفكرية، وشتّى الأغراض الكلامية، فكتب فيها تفاسيره نظماً ونثراً، ودبّج روائعه وبدائعه التي صارت مفخرة الأدب السرياني. وكان له القدح المعلى في تقدم مدرستي نصيبين والرها السريانيتين حيث وجدت اللغة السريانية لها مرتعاً خصباً فنمت وازدهرت.
ولشعر مار أفرام في مدينة نصيبين قيمة تاريخية فهو يدلنا على مقدار ما عانته المدينة من آلام حرب الفرس، وقد أخضع مار أفرام لفنه جميع الأوزان السريانية التي كانت معروفة في عصره، فنظم على المقاطع الخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة، وعُرف البحر السباعي باسمه، وأوزانه متعددة كالبسيط والمركب والمضاعف والأبجدي. وقد ميز أفرام بين نوعين من الشعر: المدراش والميمر.
أولاً: مؤلفاته النثريةتناول مار أفرام الكتاب المقدس بعهديه شرحاً وتفسيراً، وقد اعتمد الترجمة البسيطة، ولكثرة شروحه صرّح بعضهم قائلاً: «لو نفدت ترجمة الكتاب المقدس بالسريانية الأصلية لتيسر جمع نصوصها من تصانيف مار أفرام»، وقد اتبع بالتفسير طريقة مدرسة أنطاكية بشرح النص آية آية بالمعنى الحرفي بمفهوميه الحقيقي والمجازي، خلافاً لمدرسة الإسكندرية بمصر التي كانت تتبع التأويل والأسلوب الصوفي الرمزي، ولم يبقَ من تفاسيره هذه سوى شرح سفر التكوين وجزء من سفر الخروج، وشذور متفرقة من أسفار العهد القديم نجدها في مجموعة الراهب سويريوس (+861م).
مار أفرام السريانيأما تفسيره للإنجيل المختلط المعروف بـ «الدياطسرون» الذي وضعه طيطيانس عام 170م فلم يصل إلى أيدينا منه سوى ترجمته الأرمنية، كما لم يبقَ من تفاسيره لرسائل الرسول بولس سوى آيات يسيرة ضمن تفسير الإنجيل ليشوعداد المروزي أسقف الحديثة النسطوري (840 ـ 853م). وله مواعظ هي شروح لفصول من الكتاب المقدس، وله أيضاً مقالات في محبة العليّ وفصول مختارة من كتاب وُسِم بـ «كتاب الآراء» وهو في حياة النسك والرهبنة، وأرسل خطابين: الأول إلى دمنوس في نقض الهراطقة، والثاني إلى هيباتيوس رداً على مرقيون وبرديصان وماني، ورسالة بعث بها إلى الرهبان ساكني الجبال، ومجموعة قوانين في الرهبنة فقد أصلها السرياني وحفظ النقل اليوناني أورد ذكرها غريغوريوس النوسي (+396م)، ولم يبقَ من القصص التي ألّفها سوى قصة بطرس الرسول.
ولأهمية مؤلفاته ترجمت إلى اليونانية في حياته أو في العقد الأول بعد وفاته، كما نقلت بعدئذ إلى لغات شتى، وقد نسب إليه كتاب وُسم بـ «غار الكنوز» وهو قصة آدم وحواء بعد أن طردا من الجنة، كما وضع عليه خطأ عظة في نهاية العالم ورد فيها ذكر غزوة الهون التي حصلت في تموز سنة 396م أي بعد وفاته بثلاث وعشرين سنة. وكذلك عزي إليه تأبين للقديس باسيليوس الكبير الذي مات بعد موت مار أفرام بست سنوات.
ثانياً: مؤلفاته المنظومةيقسم الشعر عند السريان إلى نوعين، الميامر، والمداريش:أ - المدراش:في البداية كان المدراش عبارة عن جدل في ثوب شعري ثم استعمل للشعر الذي ينشد بوجه عام، ويتكون المدراش من عدة أبيات تتساوى في عدد مقاطعها أحياناً وتختلف في عدد المقاطع أحياناً أخرى، وهذه الأبيات يرتلها فرد وترد عليه فرقة (كورس) بعد كل بيت بردود معينة، وكل بيت من أبيات المدراش قائم بنفسه، وليس من الضروري أن تكون له صلة بالبيت السابق أو اللاحق له.
وللمداريش أوزان وأنغام شتى، ويعد أفرام من خيرة ناظمي المداريش وقد حذا فيها حذو داود النبي في مزاميره، فنظم أبياتها تارة على ترتيب الحروف الأبجدية وتارة على ترتيب اسم يسوع أو حروف اسمه (أ ف ر ا م). فالمداريش تعني «الأناشيد» وهي أبيات من الشعر تصاغ على أوزان مختلفة وألحان شتى بلغ عددها الخمسمئة دبجها مار أفرام، أما مستنبطها فهو برديصان.
واشتملت مداريشه مجموعتين في الجدل مكونتين من 56 مدراشاً، ومنها جدله ضد أتباع برديصان ومرقيون وماني وعنوانها «الرد على المارقين»، و«معارضات ضد الآريوسية»، وسبعة مداريش عن «اللؤلؤة» أي عن المسيح وسر خلق الإنسان، وخمسة مداريش في «الرد على يوليانوس» إمبراطور الروم الذي ارتد عن المسيحية إلى الوثنية، ومداريش جدلية أخرى كتبها في مدينة نصيبين في النصف الأخير من سنة 363م بعد وفاة الإمبراطور يوليانوس.
وهناك بعض المداريش وجدت غير كاملة مثل «ميلاد السيد المسيح» و«الصوم» و«عيد الفطير» و«الصلب» و«شهر نيسان» بمناسبة الفصح، وكلها مداريش دينية تستعمل لإحياء أعياد الكنيسة.
أما القصائد الشعرية التي كتبها مار أفرام فيبلغ عددها واحداً وعشرين قصيدة كتبها في مدينة نصيبين، زادها في الرها إلى ست وخمسين ثم زادها حتى بلغت سبعاً وسبعين قصيدة، كانت كلها عن نصيبين، لذلك أطلق عليها جميعاً اسم «نصيبيات» وهي قصائد تتناول موضوعات مختلفة عن تاريخ نصيبين في عصره.
ونظم مار أفرام أيضاً نوعاً آخر من القصائد سماه «السوغيثا» وزنها بسيط وتصلح في صياغة المآسي للمسرح الديني، وتبدأ السوغيثا عادة بمقدمة مكونة من فقرة أو أكثر يدخل بعدها الشاعر إلى لب الموضوع في أبيات يلقيها فرد، وقد تكون حواراً بين اثنين وترد الفرقة بالإنشاد بالتبادل بين نصفي الفرقة والفقرات الأساسية ينشدها اثنان من المجموعة يتقدمان للإنشاد.
ب – الميامر:وهي شعر يقرأ ولا ينشد وهي الملاحم المسهبة التي تعد أبياتها أحياناً بالآلاف، تسرد فيها القصص الروحية وسير رجال الكتاب المقدس والكنيسة، وتكون أبياتها متساوية المقاطع غالباً، وهي من ذات المقاطع السبعة، وتكون عادة ذات دعامتين تتكون الأولى من ثلاثة مقاطع والثانية من أربعة.
مار أفرام السريانيوقد نظم مار أفرام الشعر واستعمله سلاحاً ماضياً في جدله وكتب به مراثيه وعلم به سامعيه المسائل الدينية المختلفة، واستخدمه كذلك في كتابة الطقوس الدينية، ومن الملاحم التي ثبتت صحة نسبتها إليه ملحمة عن موعظة يونان النبي في نينوى، وموعظة «التوبة»، وله أيضاً 11 ميمراً عن الحصارين الثالث والرابع لمدينة نصيبين.
والنظم قائم في كلا النوعين على اللحن لا على التفاعل، ومقيد بالنغم لا بالقافية، فيختلف في ذلك عن الشعر العربي ويقرب من الشعر المرسل، فهو في جوهره شعر غنائي ينشد على جميع الأوتار، متصاعداً من النبرة الخطابية إلى النفس الملحمي، ولذا فإنَّ أوزانه لا تحصى في حد ولا أبحره في عد، ذلك أن البيت لا يعتمد على تآلف المتحرك والساكن، ولا يتكون من الأسباب والأوتاد والفواصل، بل من تقاطع الكلم إلى أصوات متوازية تعادل التقاسيم الموسيقية، وقد تتراوح الأصوات بين المقطع الواحد والستة عشر مقطعاً، أو أكثر في البيت الواحد، تفصل بينها محطات وقف مما يجعل ضبط الأبحر متعذراً. ويذكر أنطون التكريتي (+840م) أن عدد البحور الشعرية لدى السريان هو ثمانية عشر بحراً بدءاً من ثلاث حركات حتى العشرين، ولكن ليس جميعها مستعملاً، ومن أشهرها ما جاء فيه البيت على خمسة مقاطع أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو أحد عشر أو اثني عشر.
لقد نظم مار أفرام الشعر السرياني على البحر السباعي خاصة، وارتأى بعضهم أنه قد استنبطه فسمي أيضاً بالأفرامي أو أنه أخذه عمن سبقه من الشعراء الذين فُقد شعرهم، وتعد أبيات بعض قصائده بالآلاف، ويكون الوقف عادة في البحر السباعي بعد المقطع الثالث أو الرابع، ويدخل على هذا الوزن ثلاثة أشكال مختلفة فيكون إما ثلاث حركات وأربع أو أربع حركات وثلاث أو حركتين وثلاث ثم اثنتين.
ولم يعتمد مار أفرام القافية في نظمه، لأن السريان لم يدخلوها في شعرهم حتى صدر القرن التاسع متأثّرين بذلك بالعرب.
أسلوبه وموضوعات شعرهوهو شاعر طويل النفس، يمتاز أسلوبه بالإسهاب، وشعره عامة سلس يرسله على السليقة فيتدفق كالسيل العارم.
وتناول مار أفرام بشعره شتى المواضيع الدينية، العقائدية منها والروحية، فبجّل السيد المسيح، وطوّب أمه العذراء مريم، ومدح الأبرار والصالحين وغبط الزهاد والمتوحدين، ورثى النفس الخاطئة وحثّها على التوبة، وهجا الكفرة وكفرهم بشخص يوليان الامبراطور الجاحد، وقرّع البدع والمبتدعين خاصة ماني ومرقيون وبرديصان وآريوس، وأكثر من سرد الحكم في قصائده النفيسة، وأناشيده البديعة التي كانت تعبر عما احتواه قلبه الكبير من الإيمان، وما استوعبه عقله الجبار من الحكمة، وقد حازت مكانة القمة في الكنيسة السريانية فأدخلت الطقس البيعي وهو لا يزال على قيد الحياة، ذلك لأنها اعتبرت ذلك خير وازع للمؤمنين يدفعهم إلى العبادة، كما يشهد بذلك مار يعقوب السروجي بقصيدته التي نظمها فيه حيث يقول ما تعريبه: «إن مار أفرام كنارة الروح القدس ضارع موسى الكليم وأخته مريم بتلقينه العذارى والفتيات ولفيف المؤمنين أنغاماً محكمة بث فيها تعاليم الكنيسة الحقة وأحرز بواسطتها إكليل الظفر والانتصار على أعدائها».
مار أفرام السريانيوأورد البطريرك أفرام الأول برصوم في كتابه اللؤلؤ المنثور ما تبقى من منظومات مار أفرام ذاكراً بالتفصيل عددها ومواضيعها، حيث قال: «ولا نعرف عدد قصائده التي ضاع جانب منها، والمعروف منها: 15 قصيدة في الدنح، و1 في الشعانين، و15 في الفطير، و5 في آلام ربنا، و2 في القيامة وتناول الأسرار في أحد القيامة، و1 في أحد الجديد وقصيدة أولها: عظيمة هي قوة المسيح، و2 في حبل العذراء الطاهرة ومار أندراوس الرسول وتبشير بلاد الكلخ أو القلتين، و3 في أيوب، و2 في مار سرجيس ومار باخوس ومار ديميط، و20 في الشهداء، و5 في وفاة الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان الكاملين والأطفال وكل أحد، و7 في تركيب الإنسان والخلوة للعبادة والغربة والآخرة والنهاية والتواضع ومحبة الفضة، و11 في التعازي والآخرة، و7 في الطلبات وغيرها في الحكم والنصائح والإيمان والعلم والتوبة، و1 في قول أشعيا النبي: فلينزل المنافق لئلا يعاين مجد الله، و10 في الشكر على المائدة، و4 في يوليان الجاحد، و20 في مواضيع شتى، ونشر له السيد رحماني جزئين حوى أولهما 31 ميمراً وشذرات من ميامر أخرى في الشكر على المائدة وسقوط نيقوميدية ونقاوة القلب والندامة، وفي إنَّ الله ليس هو علة الآفات وعناية الله بنا والسهر والتوبة والظلم والنسك وأيوب الصديق ومجاهد الشيطان، ونقض برديصان وحصار نصيبين والتوبيخ وكيفية إغراء إبليس للناس على ركوب المعاصي، واشتمل الثاني على عدة ميامر أنشدها في احتباس الأمطار وله قصيدة خماسية نفيسة يخاطب فيها ذاته أولها: كم من مرة جعت، ووصية مشهورة منظومة، وإنما حشيت بزيادات ليست من الأصل بشيء، ودعاء منظوم».
وورد في أقدم كتب الألحان أن «السبرت» أي مراقي أو سلالم المداريش التي حبكها مار أفرام هي خمسمئة، ودبج هذا الملفان أيضاً جانباً من الأناشيد المعروفة بالقالات السهرية والعنيانات، بل نَسَبَ إليه تخشفتات وقتتسمات، واستشهد فيلكسينوي المنجي 523م بكتابين له سماهما «فنيقيث نقض اليهود والأضاليل» وذكره صاحب «تاريخ سعرت»، و«فنيقيث شهداء النصيبيين» وهو مجموعة من مداريشه كفناقيث الإيمان والبيعة والفطير والنصيبيين التي استشهد بها أنطون التكريتي، ونسب إليه قصيدة من أجود الأشعار في يوسف بن يعقوب ذات اثني عشر لحناً.
مار أفرام كاتباً في الأخلاق، ومبدعاً في الأفكارذهب بعض النقاد المعاصرين أن مار أفرام كان كاتباً في الأخلاق وواعظاً أكثر منه لاهوتياً – وهذا حسب رأي قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا عيواس بطريك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس صحيح، وذلك لقلة مؤونة البحث العقائدي في مياميره ونشائده، وإنما على حسب رأي قداسته: «طار لها صيت كان لذيوعها كافلاً، وقالوا ويبهرك منه توقد ذهنه وما حفلت به أشعاره من الاستعارات والصور الجريئة البارعة والرسوم الرائعة والرموز، وأدوار المخيلة التي تفنن فيها شأن سائر الشعراء الشرقيين – وهو أسلوب لا عهد لليونان والأتين به – ولكن حظها من الإبداع وسمو الأفكار والحماسة يسير. وقال آخر وهو أكثر إنصافاً ما معناه، إنه ألّف للشعب والرهبان فلم يتعمق في النظريات اللاهوتية، غير أنه ألقى في عظاته الأدبية من شعلة الحمية ونار الحماسة ما بلغ به كنه القلوب، وكل ما دبجه حتى الذي بلغ فيه منتهى الإسهاب، كان في نظر قرائه الأقربين عنوان البيان وآية البراعة. أما القول بقلة حظه من الإبداع وسمو الأفكار والحماسة فهو اعتساف وشطط يجرحه إجماع ذوي الأذواق السليمة على دفعه، وأما الإسهاب في المقال فهو طريقة قلما تعداها قدماء الكتاب السريانيين وغيرهم، وأصح ما يقال فيه أنَّ إدراك بعض أناشيده يستدعي كدَّ الذهن وجهد الفكر، وقد استوضح يوحنا الأثاربي (735م) العلامة يعقوب الرهاوي عن بعض معانيها، وحبذا لو كان بعض حذاق العلماء القريبيين من زمانه عمدوا إلى التعليق عليها وكشف مبهمها».
أشهر ما ترجم ونشر من آثارهلقد زيّنت آثار مار أفرام مكتبات الشرق والغرب وهي تعتبر من نفائس المخطوطات في دنيا المكتبات ونظر العلم والفن، إذ يرجع تاريخ بعضها إلى القرون الخامس والسادس والسابع للميلاد. وتوجد في مكتبات معظم حواضر الشرق العربي الشهيرة، ومدينة الفاتيكان، والمتحف البريطاني، وأوكسفورد، وبرمنغهام، وكمبردج، وباريس، وشيكاغو وغيرها.
مار أفرام السريانيوقد نشر لمار أفرام في روما الأب بطرس مبارك اليسوعي ومن بعده المطران يوسف سمعان السمعاني والمطران أسطفان عواد ما بين عامي 1732 – 1746 ستة مجلدات كبيرة الحجم ضمت كل ما وجد في مكتبة الفاتيكان من مؤلفاته المنظومة والمنثورة، وهي ثلاثة مجلدات لما كتب بالسريانية وثلاثة لما كتب باليونانية منقولاً عن السريانية، وقد فقد الأصل وبقيت الترجمة. وضمت هذه المجلدات الستة الصحيح والمنحول من مؤلفات مار أفرام ونشرت مع ترجمتها اللاتينية. وقد أعاد طبعها الأب سليه في ستة مجلدات في باريس سنة 1860 بعد أن صححها ونقحها وضم إليها ترجمته أيضاً.
ونشر الأب بولس بيجان اللعازري في ليبسيك عام 1892 وصية مار أفرام الأخيرة التي نشرها بعدئذ البطريرك أفرام الثاني رحماني بالفرنسية في مجلة الآثار الشرقية، السنة الثانية، العدد السادس، لشهر حزيران 1927، ونشر له البطريرك أفرام الأول برصوم قصة بطرس الرسول وذلك في صدر المجلد الأول من تاريخ الرهاوي المجهول عن مصحف في باسبرينه مخطوط في القرن التاسع. ونشر له أوفربك في أكسفورد عام 1865 نقلاً عن مخطوطات المتحف البريطاني أربع منظومات وبعض رسائل وتفنيد هراطقة زمانه وختمها بوصيته. وغيرهم الكثيرين ممن ترجموا ونقلوا كتاباته ومؤلفاته.
ولأهمية مؤلفاته نقل بعض منها إلى اليونانية وهو حي، وقد نقلت بعض مؤلفاته إلى العربية منذ أجيال عديدة، فقد نقل إليها ابراهيم بن يوحنا الأنطاكي سنة 980م عدداً من مقالاته في الرهبنة، كما وصل إلينا منها إحدى وخمسون مقالة نقلت من اليونانية حوالي القرن الحادي عشر وأصلها السرياني مفقود، ونشر منها أربعون مقالة في مصر عام 1892.
ووصل إلينا من مؤلفاته أيضاً شروح «الدياطسرون» بالأرمنية وقد ضاع أصلها السرياني وحفظ نقلها الأرمني ونشره الرهبان الأرمن في مطبعتهم في البندقية عام 1893، كما نقلت مؤلفاته إلى القبطية والحبشية واللاتينية والإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات ونشر بها بعض منها.
أشهر تلاميذ مار أفرام السريانيتخرج على يده في مدرستي نصيبين والرها عدد وافر من التلاميذ طبعوا على غراره ولكنهم لم يبلغوا منزلته العلمية، اشتهر منهم:
1.
آبا: الذي فسر «الدياطسرون»، وله مقالة في أيوب ومقالة أخرى في الآية التاسعة من المزمور الثاني والأربعين، ونصائح منظومة، وقد جادل مكسيموس الآريوسي.
2.
زينوبيوس: كان شماساً في الرها وكتب سيرة معلمه، وله رسائل وردود على مرقيون وبمفيل، وذكره الصوباوي بين المؤلفين اليونانيين، ولم يبق له سوى خطابين.
3.
آسونا: شاعر مجيد له ميامر وأناشيد على البحرين الرباعي والسداسي ومداريش في الموتى، قال عنه أنطون الفصيح أنه كان قبل مار أفرام أما السعراتي فيعده من تلاميذه وهو الرأي الأرجح. وآل به الأمر إلى الضلالة بالخيالات الباطلة فمات شقياً.
4.
قورلونا: شاعر بارع نظم قصائد نفيسة في القمح وآفات عصره، وفي غزوة الهون التتر لبلاده ما بين سنتي 394م و396م. نشر بيكل النمساوي سنة 1873 جملة من قصائده في الصليب والفصح والحنطة وغيرها مترجمة إلى الألمانية وذلك عن مصحف محفوظ في لندن تحت رقم 4591 يرقى تاريخ نسخه إلى القرن السادس.
5.
القس عبسميا: وهو ابن أخت أفرام السرياني، نظم ميامر ومداريش في غزو الهون لبلاد ما بين النهرين والشام سنة 395م، وقال عنه البطريرك السرياني مار ديونيسيوس أنه عُرف سنة 397م، وأما عبد يشوع الصوباوي فيسميه عبشلاما.
6.
شمعون السميساطي: كاتب سيرة أستاذه.
7.
يوليان: وضع أناشيد كنسية وفنّد مرقيون وغيره من المبتدعين.
8.
القس اسحق الآمدي: قيل أنه أخذ عن مار أفرام في الفترة التي قضاها في آمد (ديار بكر) سنة 363م بطريق سفره من نصيبين إلى الرها، وقد نظم اسحق قصائد بليغة وتوفي سنة 410م.
من كتابات مار أفرام السريانيأقوال مأثورة لمار أفرام من قصيدة له في العلم :- «اللهم امنح علماً من يحب العلم، واجعل الأستاذ الذي يحسن التعليم عظيماً في ملكوتك».
- «فاقتن لنفسك أيها الإنسان الاجتهاد فإنه كنز العلم العظيم، وتجنب الكسل لأنه من الخسائر ملآن».
- «اقتن الذهب بمقادير أما العلم فاكتسبه بلا حد لأن الذهب يكثر الآفات وأما العلم فيورث الراحة والنعيم».
- «أكرم الشيوخ واجلس دائماً عند أقدامهم وأصغ إلى أقوالهم».
- «لتكن لك الكتب بمنزلة موائدك فتشبع منها لذة، ولتكن بمثابة فراشك فترقد سنة الراحة».
من قصائده في قصة يوسف :- «الحسد سهم نافذ يقضي على راميه».
- «إذا دس الحراث الزؤان بالزرع حصد منه شوكاً».
- «من يمتلك ذهباً خالصاً لا يخشى من امتحانه بالنار».
- «لا يفارق المرجانة جمالها أينما كانت».
- «ليراع العدل، وليطل السامع روحه».
- «ليس بكثرة البنين تكون الحياة للآباء».
- «إذا شاء رب البرايا قام الولد الواحد مقام الكثيرين».
ابتهال من قصيدة له في نقاوة القلب :- «اللهم اخلق فيَّ قلباً نقياً عفيفاً طاهراً بسيطاً لا يفكر بالشر ولا تأوي إليه الشهوات».
- «قلباً نقياً يملأه الحب دائماً وفي كل حين يبتغي الأمان والسلام لكل إنسان».
- «قلباً نقياً يحب الصوم والصلاة والسهر وإذلال الجسد والعمل والتعب دائماً».
- «يا محب البشر ضع فيَّ مثل هذا القلب واغرس فيه مخافتك كالغرسة النامية».
تعريب مدراش في يوحنا المعمدان«طوبى لك يا ابن العاقرة، فقد صارت يدك أهلاً لتوضع على هامته المسيح، وإنك عمدت من عمد الأمم بتعليم النار والروح القدس، طوبى لعقلك إذا ارتعب ولم يقو على الدنو، ولفهمك حيث إنك لم تعصِ عندما أمرت، لقد شقت السماء، واندهشت الملائكة ومجدت لأن مطهر الكل قد اعتمد.
طوبى لك يا يوحنا فإنك عظيم في الأنبياء أولئك الذين من بعيد تاقوا إلى رؤية المسيح الابن لكنهم لم ينظروه، أما أنت فقد وضعت يدك على رأسه. ولأنك لبست الناموس خدمت بغيرة، وتسربلت بالمسيح أظهرت الحنان، بشخصك نزل إيليا آتياً [إلى العالم] من حيث لم يأت بل قد مثلته بعملك.
طوبى لك يا نهر الأردن الصغير، فإن البحر النقي الرائق نزل واعتمد فيك، إنك لا تستوعب بخار قطرة منه، فهو مصدر الحياة ومطهر الذنوب، طوبى لينابيعك التي تنقت بنزول القدوس حيث تواضع فاستحم فيك وبعماده فتح المعمودية لتطهير النفوس».
قالوا في مار أفرام السرياني : قال القديس غريغوريوس النوسي (+396م): «أفرام كرمة اللّه الكثير ثمرها... إن ضوء سيرته وعلمه قد أنار العالم وصار أفرام معروفاً عند كل من تطلع الشمس عليه ولن يجهله إلا من جهل باسيليوس الكبير الذي هو كوكب الكنيسة المنير».
وقال القديس يوحنا فم الذهب (+407م): «أفرام كنارة الروح القدس، ومخزن الفضائل، ومعزّي الحزانى ومرشد الشبّان، وهدي الضالين، كان على الهراطقة كسيف ذي حدّين».
وقال سوزومين المؤرّخ اليوناني (+423م): «إنه أرفع من كل ثناء وقد زيّن الكنيسة كلها أفخر زينة، وفاق الكتاب اليونانيين بحكمته ورونق كلامه وأصالة رأيه وسداد برهانه».
وقال القديس هيرونيموس (+430م): «أفرام شماس كنيسة الرها ألف كتباً كثيرة في اللغة السريانية وقد بلغ من الشهرة والتوقير أن بعض الكنائس تتلو ما كتبه على الشعب في الكنائس، بعد تلاوة منتخبات الأسفار المقدسة. وقد طالعت في اليونانية، كتابه في الروح القدس مترجماً من السريانية ووجدت فيه قمة الذكاء السامي في الترجمة أيضاً».
وقال القديس يعقوب السروجي (+521م): «مار أفرام الينبوع الفياض الذي روت مياهه أرض الإيمان، والخمرة المعتقة التي أخذت صفاتها من دماء الجلجلة... النسر الذي انتصب بين الحمامات الوديعة... الذي ضارع موسى الكليم وأخته مريم بتلقينه العذارى والفتيات ولفيف المؤمنين، أنغاماً محكمة بث فيها تعاليم الكنيسة الحقة، وأحرز بواسطتها إكليل الظفر والانتصار على أعدائها... الشاعر المبدع الذي جاش قلبه كالبحر الخضّم بالميامر التي لا تحصى والمداريش التي لا تعد... إنه تاج الأمة السريانية جمعاء».