حلمت بعرس الطفولة
بعينين واسعتين حلمت
حلمت بذات الجديلة
حلمت بزيتونة لا تباع
ببعض قروش قليلة
حلمت بأسوار تاريخك المستحيلة
حلمت برائحة اللوز
تشعل حزن الليالي الطويلة
بأهلي حلمت..
بساعد أختي
سيلتفّ حولي وشاح بطولة
حلمت بليلة صيف
بسلّة تين
حلمت كثيرا
كثيرا حلمت ..
إذن سامحيني!!
...........
محمود درويش.............
للتين حكايات كثيرة عاشت معنا في فيروزة ...وكانت أشجار التين التي تغطي
جزء كبير من كل حديقة بيت أو في البساتين الكبيرة ..وخاصة ماكان على طريق
حمص ..وكذلك بالقرب من جورة الكشك ..وكنا نكتب الأسماء على شجر التي
..ولدينا حكايات وقصص مع العرزال بين أشجار التين ...وكانت للعصافير دور كبير في حياتنا ..
فكان الدوري والبلبل ، والأزهر ، والشحروره...وكنا نتصيد
بالفخ أو بالمطاط..ولكن الذكريات في طفولتنا مازالت مرسومة ..ومازلنا
نتذكر كيف كنا نهرع حتى قبل أن يصحو العصفور الدوري من إغفاءة الفجر فننتقي عن شجرة التين الكبيرة كلَّ حبةْ شطَّبتها أسواط العسل ،
ونزَّ منها رضاب الشهد!!.التينة كانت أمنا الرؤوم الحنون صيفاً ، ومرتعنا البهي من لهيب القائظة ولفح الحر ،
وعلى جذوعها الغليظة الملساء (ياما) حفرنا أسماء حبيباتنا الصغيرات بخجل جميل ، وحضناها بخجل أجمل ،
والتينةليس إلا ذاكرتنا الحميمة شتاءً (التين المجفف) ، كنا نعبر برد كوانينوثلوجها بدفء لذيذ حميم متذكرين صيفاً بات بعيداً!!.
والتين كالندى لاينتظرُ حتى ترتفع الشمس عن أديم الأرض قاب رمح أو رمحين ، فمع صوت
العصافير والبلابل كنا ننفض عنا اللحاف ، ونمسح أواخر النوم من مآقينا ، وإذا كان حدا في الحارة عم يخبز عالتنور خبزاً يتضوع لهفة وشهية:
فنخطف على عجل رغيفاً تنفحه سمرة طافحة: فلا أجمل من التينْ بالخبز الساخن!!. بأن ننتقي أفضل الحبات من التين الناضج المعسول ،
ونرتبها بانتظام على حجارة نظيفة ملساء في مكانْ مشموس ، وننصب بقربها فزاعة لتذب الطير عنه ،
وعندجفاف التين ، وتحول لونه إلى ذهبي ، كنا ننظمه بخيوطْ متينة على هيئة
قلائد نعلقها في البيوت لشتاءْ قادم يغمرنا بثلجه.ومن التين ما يمتد بثمره
إلى أواسط الشتاء ، فيعطيك مذاقاً آخر ، لكنه ليس كتين هذا الشهر ، ومنهما يعطي أكلها مرتين في السنة ،
وشجر التين يعيش بعلياً ، أو مروياً ،والأشهى هو البعلي (الذي يعتمد على ماء المطر) ،
وتتوافر منه أنواع لكل منها بصمته الذاقية: البياضي ، الرجافي ، الخضيري ، الإسوادي ، العسالي ..
وغيرها مما نسيت اسمه ، ولكن مذاقه يخلد في الذاكرة ، وطاب صباحكم مع صحن تين!!.
مثلما كنت ستبقى يا وطن
حاضراً في ورق الدّفلى ،
وعطر الياسمين
حاضراً في التين ، والزيتون ،
في طور سنين
حاضراً في البرق ، والرعد ،
وأقواس قزح
في ارتعاشات الفرح
حاضراً في الشفق الدامي ،
وفي ضوء القمر
—-
توفيق زياد