قصة لقائين وسر "عبطة" دامت دقيقتين

قصة لقائين وسر "عبطة" دامت دقيقتين
مي حريري وملحم بركات
هل يعيد التاريخ نفسه بينهما؟

بين آب 1991 وتشرين الثاني 2010، تسعة عشر عاماً مرّت، كأنها البارحة...والحب لا يشيخ، بل يطرق أبواب العشرين عاصفاً،
هادراً ومزوبعاً، لينفض ـ على ما يبدو- الرماد عن جمر حنين، لا يخبو ولا يهمد، بل يزداد استعاراً والتهاباً و"رقصاً" على مر السنين...
في السابع عشر من الجاري، أحيا الموسيقار ملحم بركات مع شمس الغنية اللبنانية نجوى كرم ليلة عيد الأضحى المبارك في "ريجنسي بالاس"،
بحضور عدد كبير من محبي فنهما، في سهرة مميزة دامت حتى صياح الديك.
إلى هنا، الخبر عادي جداً...
لكن ما ليس عادياً، هو ما حصل في هذه الحفلة الاستثنائية، التي تحوّلت بسحر ساحر إلى ما يشبه فيلماً رومانسياً مؤثراً،
يترجّح بين قمة اللامعقول وقمة الواقعية، وسط ذهول الحاضرين، الذين لم يصدقّوا عيونهم ولا صدّقوا آذانهم، بل غرقوا في نوع من الدهشة
"الهوليوودية"، المرفقة بألف علامة تعجّب وألف ألف علامة استفهام!
"بعدك عايشة"؟
وفي التفاصيل، أنه، وفي أثناء غنائه، شاهد "أبو مجد" زوجته السابقة الفنانة مي حريري مشرقة، قلباً وقالباً،
وهي ترقص بانسجام أمام خشبة المسرح، فما كان منه إلا أن بادرها بأسلوبه الطريف متسائلاً:
"بعدك عايشة؟ كيفو الولد (أي ولدهما ملحم جونيور)؟" وقبل ان تجيبه، تابع: "تعي نجبلنا شي ولد سوا!"
هنا... في هذه اللحظة بالذات...
مسّت مي صاعقة، قطعت كل قيود تحفّظها، فلم تتمالك نفسها، وصعدت إلى المسرح بمساعدة مدير أعمالها إيلي مندلق، لتغمر ملحم أكثر من دقيقتين،
ودموع الفرح والشوق تترقرق في عينيها، فيما تراءى للجميع أن قلبها يخفق مردداً مع أم كلثوم: "هات عينيك تسرح في دنيتهم عينيَّ،
هات إيديك ترتاح للمستهم إيديَّ، يا حبيبي تعال، وكفاية اللي فاتنا، هو اللي فاتنا يا حبيبي شويَّ، اللي شفتو قبل ما تشوفك عينيَّ،
عمر ضايع، يحسبوه ازاي عليَّ؟"، كما بدا أن قلب ملحم كان يخفق مردداً: "هذه ليلتي وحلم حياتي بين ماض من الزمان وآت...
الهوى أنت كله، والأماني، فاملأ الكأس بالغرام وهات."

اللقاء الأول
وللحكاية بداية...
والبداية كانت في برمانا...
تتذكرها "الشبكة"، التي كانت حاضرة في 17 الجاري في "ريجنسي بالاس"، تماماً كما كانت حاضرة في ملهى "الكارت بلانش" منذ 19 عاماً:
في شهر تموز من العام 1991، دخلت مربع "كارت بلانش" صبية، جميلة الوجه، ذهبية الشعر، قصيرة الفستان،
كأنّها مانيكان إيطالية جاءت تعرض حسنها وقوامها وأزياءها في لبنان...
ولم تكن هذه الحسناء الفاتنة إلا مي حريري، التي نفرت إلى الحلبة، بينما كان سلطان الطرب جورج وسوف يغني، وأخذت ترقص وتتلوى وتتثنى،
كأنّها هي المغنية التي طغى عليها إحساس الطرب... ترقص بانعطاف غصن البان الذي مسّته نسمة صيف فوق خرير نهر، فاشرأبت الأعناق تسأل: من هذه؟
وبين ليلة وضحاها أصبحت مي نجمة سهرات "كارت بلانش" من دون منازع... وشاع اسمها وذاع حتى ملأ الأسماع...
معظم النساء كرهنها، وهذا أمر طبيعي، ومع ذلك تردّدن إلى "كارت بلانش" ليتفرّجن على هذه المرأة الطاغية الجمال،
التي باتت حديث الناس في كل مكان، وخصوصاً بعدما نشرت لها "الشبكة" في صفحات المجتمع صوراً،
بعدسة الزميل سمير قزي، وهي ترقص مع تعليق مفاده: هذه هي نجمة السهر في "كارت بلانش"...
الموسيقار والوردة
وفي منتصف شهر آب اللهّاب، من العام 1991...
وكان موعد "كارت بلانش" مع الموسيقار ملحم بركات، الذي ينتظره جمهور السهر كما ينتظر العشاق ضياء القمر...
وكل ما على ساحة المطرب اللبناني الكبير هادئ، رائق، ومستقرّ: الزوجة رندا عازار بركات تتولّى رعاية الزوج الفنان
لكي تسهم في نجاحه الفني والاجتماعي والوطني... الأولاد الثلاثة: غنوة ومجد ووعد يعيشون بنعيم في كنف الأب المشهور...
وكل الأحوال عال العال...
في تلك الليلة بالذات...
بعدما بدأ ملحم الغناء ووصل إلى أغنية "الدهب يا حبيبي بيضلّو دهب/ مهما قالوا عنّو والدهر انقلب"، للشاعر الدكتور ميشال جحا...
حتى هبّت مي حريري كالعاصفة وأخذت ترقص أمامه وتتلوى كالثعبان، الذي يشبه جلده لون الفستان القصير الذي كانت ترتديه في تلك الليلة...
وفجأة...
حملت مي وردة حمراء وشكتّها في جيب سترة ملحم مع البوشيت، وراحت تحوم حوله كما تحوم النحلة حول زهرة عسلية،
الأمر الذي أفقد الموسيقار اتزانه، وجعله يمسك بخصلة من شعرها، وشدّها بها، حتى صرخت من الألم و... السعادة!
ثم ضحكت له ومالت بعنقها حول رأسه، وهمست ببضع كلمات غامضة، الأمر الذي ضاعف من انسجامه وإنشاده وطربه...
وعند انبلاج الفجر... وبعدما انتهى الموسيقار السعيد من تقديم وصلته، دلف إلى شقته في "الغراس هوبر"، التي كان يشغلها طوال مدة غنائه في "الكارت بلانش"...
وباختفاء ملحم بركات اختفت مي حريري ايضا، وأسفر اختفاؤهما عن "ملحم جونيور"، فزواج، وطلاق...
دارت الأيام
"ودارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام/ وقابلته نسيت اني خاصمته/ ونسيت الليل اللي سهرته/
وسامحت عذاب قلبي وحيرتي/ معرفش ازاي ازاي أنا كلمته/ مقدرش على بعد حبيبي/ انا ليا مين، مين، الا حبيبي؟"...
وكانت كلمات هذه الأغنية، التي ألفها الشاعر مأمون الشناوى وغنتها "كوكب الشرق"، أفضل وصف للقاء المؤثر بين مي وملحم في
"ريجنسي بالاس"، حيث كان ـ للمصادفة- مصور "الشبكة" سمير قزي حاضراً، كما كان شاهداً على اللقاء الأول منذ 19 عاماً...
ويبقى السؤال :
هل يعيد التاريخ نفسه بين الفنانين؟
لعل في الصور المرفقة، والمختارة من اللقائين، القديم والجديد، بعض الجواب...
.................
نقلا عن مجلة الشبكة