الجاني : المجتمع .. المجني عليه : الأنثى.. الجرم وصولها إلى الثلاثين دون زواج .. الحكم " عانس " .. والأسباب : " المنزل ، الغلاء ، ضعف الدخل .... " وتطول القائمة ...؟!
...............
إنها أربعة حروف شكلت كلمة لطالما كانت سيفاً مسلطا ً على رقبة كل أنثى فاتها قطار الزواج ، "عانس" ذلك المصطلح الشائع الذي يترأس تصنيفاً ابتكره المجتمع وصمم أطره، واضعاً تحت خانته فتيات، رقيقات ، مثقفات، متعلمات.... لكنهن وحيدات دون زواج، ومتكئاً على عادات وتقاليد كانت ولا تزال خير زاد له وداعماً وفياً لحروفه، ومصوراً الزواج بمثابة القيمة المضافة لحياة الأنثى التي لا تكتمل دونه.
فالعنوسة ظاهرة قديمة ممتدة الأثر على مر الزمان وبالرغم من التقدم والتطور الذي طال مجتمعنا بقيت محافظة على تماسكها وصمودها على اختلاف السن الذي تعتبر فيه الفتاة عانساً فسن العانس في ثلاثينيات القرن الماضي اختلف عنه في السبيعنيات إلى أن وصلنا لوقتنا الحالي مع بقاء المصطلح راسخا،ً وقد أجمع العديد ممن التقينا بهم أن العانس عموماً ( باستثناء حالات خاصة ) هي كل فتاة وصلت إلى سن الثلاثين فما فوق دون أن تحظى بفرصة زواج، ومنهم من رفض المصطلح من أصله ورأى فيه من الإجحاف بحق المرأة الشيء الكثير، بينما وجد قلة قليلة أن العانس تتجسد في شخص كل فتاة أقفلت أبواب الأمل على نفسها وحصرت نفسها فقط في إطار الحصول على زوج ووظفت كل طاقاتها وإمكانياتها لذلك متجاهلة جميع الجوانب الجوهرية في الحياة كالتعليم والثقافة وبناء الشخصية ... وإن كان عمر تلك الفتاة لا يتجاوز الثامنة عشر.
وكثيراً ما تلعب طبيعة المجتمع المحلي وعاداته وخصوصيته دوراً كبيراً في إطلاق حكم العانس على الأنثى فليس بالضرورة من وصلت إلى سن 23 في إحدى المناطق الريفية أن تكون بمنأى عن هذا الحكم حيث تختلف خصائص كل منطقة وتركيبتها التي تستقي منها أحكامها .
أسباب ورهانات..
تتضافرعدة أسباب مع بعضها لتشكل سداً منيعاً تحت مسمى العنوسة الذي يطال الذكور والإناث ولكن بحكم النزعة الذكورية التي تصبغ مجتمعاتنا والتحيز للذكور على حساب الإناث فإنها أصبحت وصمة عار أنثوية الصيغة فلم يألف المجتمع أن يطلق لقب عانس على أي ذكر مهما بلغ به العمر عتياً دون زواج.
ولعل أجدر تلك الأسباب في وقتنا الحالي هو الوضع الاقتصادي المتردي والاختناقات المادية التي تطال فئة الشباب وتحديداً الذكور بنسبة كبيرة، في حين أن متابعة الدراسة عند الفتيات ورغبة العديدات في الحصول على شهادات عالية يعتبر عاملاً مهماً في الموضوع فتكون النتيجة ربما تآخر عملية الزواج أو في بعض الحالات انعدام الفرصة حيث تنخفض أسهم تلك الفتيات تلقائياً بحجة أن الفتاة المتعلمة (راسا كبير) وربما يأخذ الموضوع صيغة مختلفة عند بعضهن فبعد متابعة الدراسة لسنوات عديدة يصعب عليهن إيجاد الشريك المتوائم مع شخصياتهن التي خرجن بها بعد سنوات الدراسة لتكون الفتاة بذلك قد وقعّت سند عنوستها بحروف شهادتها..
وقد يكون مستوى الجمال التي تتمع به الأنثى زيادة أونقصاناً لاعباً مهماً في مجابهة ذلك الواقع ولكن ليس بالضرورة أن تطول فترة انتظار من تتمتع بوجه أقل جمالاً عن بنات جيلها أو أن يكون "حظها" أقل ممن هن أجمل منها وذلك بحسب ما أكدته الحاجة عائشة 65 عاماً التي اعتبرت أن الموضوع ليس له علاقة بالجمال أو بالدراسة أو الحسب والنسب وهو فقط رهن النصيب، بينما أم ياسر التي رزقها الله بست فتيات أكبرهن بعمر35 عام وجدت مبرراً آخر فبناتها إلى الآن بلا زواج ليس لأنهن غير جميلات ولكن لأنهن بلا حظ على حد تعبيرها .
شبح العنوسة
في غالب الأحيان تقع نسبة لابأس بها من الفتيات ضحية ضغوطات المجتمع وقيوده وتحت تأثير عبارات ( ياحرام لم تتزوج إلى الآن – والله عنستي ) التي تطالها كيفما دارت وأينما اتجهت وتصوير الحياة بمثابة اللوحة التي لا تكتمل إطلاقاً دون الزواج ( ياحرام ما شفتي الدنيا) فتجد نفسها مضطرة لتفادي هذا الشبح بأي طريقة قد تصل بها إلى زواج مهما كان شكله ومضمونه الأمر الذي قد يبدو حلاً في ظاهره لكنه قد ينتج العديد من الزيجات غير المتكافئة ويفضي بالعديد من المشكلات الاجتماعية كالتفكك الأسري وعدم التفاهم والانسجام التي ربما تصل إلى الطلاق لتجد الفتاة نفسها انتقلت من ضفة العنوسة إلى شاطئ الطلاق الذي قد يكون واقعاً أشد قسوة.
نور وفي السياق ذاته حدثتنا عن تجربتها فهي بالرغم من أنها لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها لكن لطالما كانت العنوسة حملاً ثقيلاً على كاهلها حيث انتهى بها المطاف لقبول أحد العرسان الذي تقدم لخطبتها بالرغم من عدم الانسجام الذي عانت منه منذ بداية مرحلة الخطبة لينتهي بها الامر بعد أشهر قليلة من الزواج في خانة المطلقات بعد نزاع مرير مع أهلها أولاً الذين لم يتفهموا وجهة نظرها ومن ثم مع زوجها الذي أجبرها على التخلي عن كافة حقوقها مقابل الطلاق.
أما سمية فقد ارتسم شبح العنوسة أمامها جراء تعثر حظها في خطبتها الأولى فبات هاجسها الوحيد الحصول على فرصة حياة أخرى على حد قولها الأمر الذي قادها لخطبة ثانية لم تنته بتلك الحياة التي كانت ترغب.
فيما لم يختلف حظ مريم عن زميلاتها فوصولها إلى سن الرابعة والثلاثين دون زواج جعلها تحتل الصفحة الثانية في دفتر العائلة وهي تشعر بكامل الرضى، ومثل مريم أمثال ممن ارتضين بزيجات غير متكافئة ( كالقبول بأرمل مع أولاده أو مطلق) فقط كي لايقفن في " طابور " العوانس وتحت إمرة النصيب كما يقال .
العنوسة أكاديمياً..
وقد تناولت دراسة أكاديمية ميدانية بقسم علم الاجتماع في جامعة دمشق العوامل المؤثرة في تأخر سن الزواج عند الشباب وانعكاساته في مدينة دمشق حيث أخذت الدراسة عينة مقدارها 400 شاب وفتاة وكانت النتائج بالنسبة للشباب الذكور أن 60 % تأخروا بالزواج بسبب عدم القدرة على تأمين المنزل و 11.5 % تأخروا بسبب ارتفاع تكاليف الزواج ومتطلباته أما 10.5 % فقد تأخروا بسبب قلة الدخل الشهري. في حين أن العائق الاقتصادي عند الذكور كان سبباً في تأخير الزواج عند 17 % من الإناث.
وبشكل عام فإن المؤشرات تدل على أن أسباب تأخر سن الزواج بالنسبة للذكور هي ثلاثة أنواع مادية وتحتل المرتبة الأولى في إعاقة الزواج للذكور الذين يشكلون نسبة 71.5 % ومن ثم اجتماعية 17.5% في حين أن الأ سباب الصحية كانت نسبتها 5.5 %
أما عند الفتيات فاحتلت الأسباب الاجتماعية المرتبة الأولى بنسبة 46 % وبعدها الأسباب المادية بنسبة 35 % وأخيراً 1 % للأسباب النفسية.
وبينت الاستشارية في علم الاجتماع أماني محمد أن ظهورمشكلة العنوسة في المجتمع يعود لعدة عوامل شخصية واقتصادية واجتماعية متعددة ومتشابكة، ولعل من أبرزها زيادة الاهتمام بالماديات من ناحية المهر وحفلات الزفاف وغيره، مما يجعل فكرة الزواج في حد ذاتها غولاً يغتال الرغبة في تحقيقها، إضافة إلى ذلك المواصفات الخرافية المطلوبة في الزوجة سواء من الرجل أم من أهله، فالفرصة الجيدة قد لا تتكرر، ولا بد للشاب بالذات أن يقف وقفة حقيقية مع نفسه ليعرف مؤهلاته ومواصفاته، الأمر الذي سيسهم إلى حد كبير في التخفيف من شروطه التي يتطلبها في شريكة حياته، وبينت الاستشارية أن للعنوسة آثاراً على المرأة والرجل على حد سواء، فقد يصابان بأمراض نفسية كالكآبة والشعور بالظلم أكثر من الأشخاص المتزوجين. مشيرة إلى وجود أسباب عدديدة للعنوسة إضافة إلى تلك التي تُطرح قد تسبب حرجا ً من التطرق إليها مثل تكافؤ النسب وخجل المرأة من طلب الزواج من والديها.
آن الآوان ..
الآن وبعد أن شارف العقد الأول من الألفية الثالثة على الانتهاء آن الآون لننظر إلى موضوع تأخر الزواج نظرة وعي وإدراك لأسباب تلك الظاهرة وتداعياتها بعيداً عن رواسب المجتمع وقوالبه الجاهزة ، وأن ننطلق جميعاً من مسؤوليتنا الاجتماعية حكومة وأفراد وحتى جمعيات أهلية وليقم كل منا بدوره حتى نتمكن من التغلب عليها وعلى آثارها ، كي ننقل اهتمامنا إلى ما هو أهم ..
...........
"نقلا عن .. شام برس من هديل عكاش "
_________________