"يسوع المصلوب" من أجمل ما قرأت لجبران عن يسوع
الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء، عائشاً كالمساكين، مُهاناً كالضعفاء ومصلوباً كالمجرمين فتبكيه وترثيه وتندبه؛ وهذا كل ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع ويسوع كان قويّاً؛ لكنهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة.
ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً ولم يمت شاكياً متوجعاً بل عاش ثائراً صلباً متمرداً ومات جباراً.
لم يكن يسوع طائراً مكسور الجناحين بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجة.
لم يأتِ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحريّة.
لم يخَف يسوع مضطهديه ولم يخشَ أعداءه ولم يتوجّع أمام قاتليه...
لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع،ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً...
لم يأتِ يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلاً ونفسه مذبحاً وعقله كاهناً.
هذا ما صنعه يسوع الناصري وهذه هي المباديء التي صُلب لأجلها مختاراً؛ و لو عَقُل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهللين منشدين أهازيج الغلبة والانتصار...
إن إكليل الشوك على رأسك هو أجلُّ وأجملُ من تاج بهرام ، والمسمار في كفّك أسمى وأفخم من صولجان المشتري ، وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعاناً من قلائد عشتروت....
فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنّهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم، واغفر لهم لأنّهم لا يعلمون أنّكَ صرعتَ الموتَ بالموت ووهبتَ الحياة لمن في القبور.
---------------
جبران خليل جبران "العواصف"