الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والحضارات السورية
هي كنيسة شرقية، أنطاكية، أرثوذكسية تتمركز في المنطقة العربية وتمتد إلى الشرق والغرب.
أفرادها في مختلف بقاع العالم، وهي كنيسة مستقلة، مرتبطة ببقية الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي.
تمتد ولاية البطريركية الأنطاكية إلى سورية ولبنان والعراق والكويت وتركيا والهند وإيران والجزيرة العربية
وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزلندا.
لغة الكنيسة الرسمية هي السريانية وتستخدم الكتابة السريانية في مخطوطاتها الدينية. تتشارك هذه الكنيسة
في عقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية والكنيسة الأثيوبية.
ترجع جذور هذه الكنيسة إلى بدايات المسيحية وتعتبر الكنيسة نفسها إحدى أقدم الكنائس
وإن تسمية أو مصطلح مسيحي أطلقت للمرة الأولى على تلاميذ المسيح من قبل هذه الكنيسة في أنطاكية.
السريان الأرثوذكس هم طائفة مسيحية شرقية عريقة ترجع جذورها إلى رسل السيد المسيح الأوائل،
فسلالة بطاركة هذه الطائفة تبدأ من القديس بطرس كبير تلامذة السيد المسيح، واسم السريان
بمعنى أوسع يشمل معظم المسيحيين في بلاد الشام وبلاد الرافدين بغض النظر عن عقائدهم المذهبية،
إذاً هم سكان البلاد الأصليون وأحفاد بناة حضارات سورية المتعاقبة قبل قدوم الفتح العربي الإسلامي.
هناك العديد من الفرضيات حول منشأ كلمة سرياني أو سريان
فيعتقد بعضهم أن السريانيين سموا بهذا الاسم نسبة إلى سورية وطنهم التاريخي
Syrian،Syria فباللغة السريانية يقال للشخص السرياني Suryoyo أي سوري،
أما العرب فقد استخدموا اللفظة ذاتها التي استعملها البيزنطيون للدلالة على هذا الشعب وهي سريان syrian ومازالوا يستعملونها حتى اليوم.
كان للسريان دور كبير في النهضة الفكرية والعلمية الإسلامية وخاصة في عهد الخلافة العباسية حيث اشتهر الكتاب السريان
بدقتهم في الترجمة وخاصة ترجمة فلسفة أرسطو وأفلاطون وكان لهذه الترجمات أثر كبير
في بدايات الفلسفة الإسلامية حيث بدأ وتحديداً في عصر المأمون العصر الذهبي للترجمة ونقل العلوم الإغريقية والهلنستية إلى العربية.
تأسيس الكنيسة الأنطاكية
كانت مدينة أنطاكية أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية عاصمة سورية وإحدى عواصم الإمبراطورية الثلاث
إضافة إلى روما والإسكندرية، أعطتها هذه المكانة الأفضلية لتكون عاصمة المسيحية في الشام وآسيا
فكان أسقفها هو الأب العام أو البطريرك العام للمشرق أي أن سلطانه الروحي شمل جميع المسيحيين
في تلك البقعة الجغرافية الواسعة على اختلاف قومياتهم وأجناسهم ولغاتهم.
أثناء حملات الفرنحة أُبيد عشرات الآلاف من السريان وتم تدمير القرى السريانية كما عانى السريان من مذابح كبرى
منذ بداية الاحتلال العثماني وحتى بداية الحرب العالمية الأولى وكان أعنفها وأقساها مذابح 1914 ـ 1919 حيث ذهب خلالها أكثر من 300000 قتيل.
كانت أنطاكية مقر الكرسي السرياني الأنطاكي حتى سنة 518م، وبسبب الاضطهادات التي عانت منها هذه الكنيسة
نقل مقر رئاستها إلى أديرة أعالي بلاد ما بين النهرين واستقر في دير الزعفران في القرن الثالث عشر
قرب ماردين شمال شرق سورية وبقي هناك حتى عام 1933م حيث انتقل إلى مدينة حمص وأخيراً انتهى به المطاف
في دمشق العاصمة السورية عام 1959.
حاضر الكنيسة
على طول تاريخها الطويل عانت هذه الكنيسة في سبيل إيمانها الأمرين حتى إن بطريركها السابق إغناطيوس يعقوب الثالث
في أحد مؤلفاته اعتبر وجودها واستمرارها حتى اليوم معجزة، ويذكر التاريخ موقف العرب المشرف
والذين احتضنوا المسيحيين الهاربين من هول جلاديهم العثمانيين وقدموا لهم المأوى والمساعدة اللازمة لحين انتهاء تلك المحنة.
يبلغ عدد أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم أكثر من مليوني نسمة معظمهم من سكان الهند ظلوا متمسكين بالبطريركية السريانية
منذ دخولهم في المسيحية في القرون الميلادية الأولى، كما ينتشر السريان حالهم حال غيرهم من مسيحيي الشرق في بلاد الاغتراب
إضافة إلى بقاء قسم منهم في أرض الوطن في الشام والعراق وجنوب تركيا.
وفي الكنيسة اليوم أكثر من أربعين أبرشية ويرأس كلاً من هذه الأبرشيات مطران يدير أمورها الروحية والاجتماعية،
وكان لهذه الكنيسة فيما مضى مئات الأديرة العامرة بقي منها اليوم عدد قليل، أشهرها دير مار متى قرب الموصل في العراق،
ودير مار كبرئيل (جبريل) في طور عبدين جنوب تركيا، ودير الزعفران خارج ماردين في تركيا أيضاً،
وأخيراً دير مار مرقس، في القدس والذي يعتقد أن فيه أقام السيد المسيح عشاءه الأخير،
ويوجد للكنيسة معاهد لاهوتية عدة أهمها معهد مار أفرام اللاهوتي في دمشق، معرة صيدنايا
الذي دشنه البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص عام 1996م، وتقوم هذه المعاهد بإمداد الكنيسة بالخدام والكهنة والرهبان والراهبات.
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هي عضو مؤسس في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد انضمت إلى مجلس الكنائس العالمي عام 1960م
وتشترك باستمرار في الحوارات اللاهوتية على كل المستويات، ونجح بطاركتها في القرن العشرين
في إقامة أسس علاقات طيبة وأخوية مع بقية الكنائس المسيحية الأخرى الشرقية منها والغربية،
كما أنها تلعب دوراً هاماً في الحوار المسيحي – الإسلامي… من كبار آباء هذه الكنيسة، مار إغناطيوس الأنطاكي،
مار أفرام السرياني، مار كبرئيل، مار ميخائيل الكبير، العلامة ابن العبري وغيرهم.
............
صحيفة تشرين