من هذه المُشرفَةُ كالصُّبح الجميلةُ كالقمر المُختارةُ كالشمس المرهوبةُ كصُفوفٍ تحت الرَّايات؟"
هذه الكلمات تدل فقط على امرأة واحدة مشرقة كالصبح، جميلة تفوق النساء جمالاً، مختارة تم انتقاءها من الأزل، وهي عظيمة ومرهوبة،
له شفاعة خاصة، مميزة في دعوتها، ومكانتها تتخطى صفوف الملائكة، استحقت نعمة خاصة، النعمة العظمى ابن الله.
تدعى حواء الجديدة، التي أعادة للإنسان طبيعته الأولى بواسطة ابنها الحبيب، بعدما شوهتها الخطيئة عــن يد حواء الأولى .
مريم العذراء التي قدمت ذاتها لله إلى النهاية، وفيها تحقق الخلاص للبشرية، بيسوع المسيح ابنها الحبيب الذي تجسد في أحشائها، استحقت العطية الإلهية،
النعمة اللامحدودة نزلت في المحدود فجعلتها أرحب من السماء، مريم استقبلت النعمة الأزلية ببشارة الملاك لها في الناصرة، وقدمت ذاتها كاملة أمام هذه النعمة.ا
ملاك جبرائيل أُرسل إلى الناصرة لعذراء اسمها مريم، ينقل لـــــه البشارة السماوية، بشارة الفرح والخلاص،
بشارة الميثاق الجديد التي حال قولها "نعم" تجسد ابن الله في أحشائها. "نعم" مريم جعلها تدخل في سرّ يسوع المسيح،
سرّ الثالوث الأقدس، أي الولوج في الحياة الإلهية، الحياة التي تتخط أدراك العقول. البشارة هي دخول في سرّ الله، المقصود هو انفتاح كامل على هذا السرّ.
كسر جميع القيود وهدم الحدود البشرية التي تعيق هذا الولوج. مريم هي صورة حيّة ومثال واقعي لاتحاد دائم في هذا السرّ.ا
فقال الملاك لها: "إفرحي أيتها المُمتلئةُ نعمة، الرب معكِ" (لوقا 28:1). الملاك ينادي على مريم بالاسم الحقيقي "ممتلئة نعمة"،
الاسم الذي يدل على مكانة مريم في مخطط الله، المخطط الخلاصي. هذا اللقب يدل اختيار الله لها منذ الأزل، أعدها لتكون أم المسيح،
ومشاركة فــي أرادة الله الخلاصية، التي تريد خلاص جميع الناس. هذا الاسم الحقيقي والجديد هو أسم يرتبط في السماء،
اسم نزل من السماء وتجسد في مريم، لينبوع منه الخلاص والسلام والمحبة والرجاء للجميع، ابنها يسوع المسيح.ا
كلمة نعمة تعني، عطية خاصة وهبة تنبع مــن حياة الله. الله هو ثالوث ومحبة في رؤية العهد الجديد، وثمرة هذا الحب هو الاختيار.
هذه العطية وهبت إلى مريم منذ الأزل . كانت "ممتلئة نعمة" أي تدل على الملء والوفرة. ملء النعمة تعني يسوع المسيح،
هو العطية الكاملة التي حلت في العذراء وجعلها أسمى من غيرها، حيث حملت في مستودعها خالق ومبدع الكائنات.
هذه العطية الكاملة التي منحها الله لمريم العذراء بسبق تدبيره واختياره لها.
هذه النعمة يسوع المسيح، النعمة الكاملة التي حملتها مريم فــي أحشائها، جعلتها متحدة، اتحاداً فريداً معه، اتحاداً خاصاً بها،
مكّنها الدخول في سرّ المسيح الإلهي، الذي هو محبة، وهي محبوبة في هذا الابن منذ الأزل. مريم هي كاملة الانفتاح
على هذه " العطية الإلهية التي تهبط من فوق" (يعقوب 17:1). هذا الانفتاح على ملء النعمة منحها
كل المواهب الفائقة الطبيعة التي أُغدقت عليها في نطاق كونها قـــد اختيرت وأعدت لتكون اماً للمسيح.ا
هذا اختيار استثنائي وفريد، مُنح لها لأنها أهلاً لذلك، بل جعلت ذاتها مطيعة لمشيئة ألآب السماوي إلى الأبد.
سرّ تجسد ابن الله في أحشائها هــو القمة بين هبات الله ، ليدل على عظمة وأهمية اختيار مريم البتول.
يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني بأن مريم هي أم ابن الله، بالتالي هي ابنة ألآب المفضلة، وهيكل الروح القدس،
وإنها تتجاوز بعيداً، بعطية النعمة العظمى هذه، الخلائق الأخرى كلّها في السماء والأرض.
ففيها قد تجلى مجد النعمة وكمالها، نعمة الابن الحبيب، الذي جاء ليخلص ويحرر العالم.
فبقوة هذه النعمة العظمى واعتباراً لثمار الفداء الذي جاء به من سيكون ابناً لها، حُفظت مريم من ارث الخطيئة الأصلية.
لذلك من اللحظة الأولى لوجودها هي طاهرة وخاصة المسيح، تشترك في النعمة التي تخلص وتقدس وفي الحب النابع من الحبيب،
الذي أضحى بالتجسد ابناً لها. " طوبى للانقياء القلب. لأنهم يعاينون الله" (متى 8:5). بالتالي قلب مريم هو طاهر غير مدنس من الخطيئة،
هو مسكن الثالوث الأقدس الذي أستقبل الأقنوم الثاني الابن، وجعل ذاته متحد مع ألآب بواسطة الروح القدس.
قلب مريم يشارك الحياة الإلهية، ويفعم بالنعمة الدائمة التي تتشفع إلى الإنسان باستمرار ودون ملل.
***********